للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأَنا نَقُولُ: إِن كَانَتِ الرُّؤْيَا مِنْ أَجزاء النبوة، فليست بالنسبة (١) إِلينا من كمال الوحي، بل جزءاً مِنْ أَجزائه، والجزءُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الكُلّ فِي جَمِيعِ الْوُجُوهِ، بَلْ إِنما يَقُومُ مَقَامَهُ من (٢) بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَقَدْ صُرِفَتْ إِلى جِهَةِ الْبِشَارَةِ وَالنِّذَارَةِ، وَفِيهَا كَافٌ (٣).

وأَيضاً فإِن الرُّؤْيَا الَّتِي هي جزء من النبوة (٤) من شرطها أَن تكون صالحة، ومن (٥) الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَحُصُولُ الشُّرُوطِ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، فَقَدْ تَتَوَفَّرُ، وَقَدْ لَا تَتَوَفَّرُ.

وأَيضاً فَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إِلى الْحُلْمِ، وَهُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وإِلى حديث النفس، وقد تكون بسبب هَيَجَان بعض الأَخْلاَط (٦)، فمتى تتعيَّن الصالحة حتى يحكم بها، وتترك غَيْرَ الصَّالِحَةِ؟.

وَيَلْزَمُ أَيضاً عَلَى ذَلِكَ أَن يَكُونَ تَجْدِيدَ وَحْيٍ بِحُكْمٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم، وهو منفي (٧) بالإِجماع.

يُحْكَى أَن شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ القاضي دخل يوماً (٨) عَلَى الْمَهْدِيِّ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: علَيَّ بِالسَّيْفِ والنّطْع! قَالَ: ولِمَ يَا أَمير الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: رأَيت فِي مَنَامِي كأَنك تطأُ بِسَاطِي وأَنت مُعْرِضٌ عَنِّي، فَقَصَصْتُ رُؤْيَايَ عَلَى مَنْ عَبَرَهَا. فَقَالَ لِي: يُظْهِرُ لَكَ طَاعَةً وَيُضْمِرُ مَعْصِيَةً. فَقَالَ لَهُ شَرِيكٌ: وَاللَّهِ! مَا رُؤْيَاكَ بِرُؤْيَا إِبراهيم الخليل عليه السلام، ولا مُعَبِّرُكَ (٩) بيوسف (١٠) الصديق عليه السلام، أَفبالأَحلام (١١) الكاذبة تضرب أَعناق المؤمنين؟ فاسْتَحْيَى المهدي، وقال له (١٢): اخرج عني، ثم صرفه وأَبعده.


(١) قوله: "بالنسبة" ليس في (خ) و (م).
(٢) في (خ) و (م): "في".
(٣) كذا في جميع النسخ. وعلق عليها رشيد رضا بقوله: "كذا! ولعل في الكلام حذفاً".
(٤) في (خ): "جزء من أجزاء النبوة".
(٥) في (خ): "من".
(٦) في (خ): "أخلاط".
(٧) في (م) و (خ): "منهي عنه" بدل "منفي".
(٨) قوله: "يوماً" ليس في (خ).
(٩) في (خ): "ولا أن معبرك".
(١٠) في (ر) و (غ) و (م): "يوسف".
(١١) في (خ): "فبالأحلام".
(١٢) قوله: "له" ليس في (خ).