للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَنِ ابْنِ أَبي لَيْلَى: أَنه قرأَ سُورَةَ مَرْيَمَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّجْدَةِ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (١)، فَسَجَدَ بِهَا، فَلَمَّا رَفَعَ رأُسه قَالَ: هَذِهِ السَّجْدَةُ قَدْ سَجَدْنَاهَا، فأَين البكاءُ؟ (٢).

إِلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ الدالَّة عَلَى أَنَّ أَثَرَ الْمَوْعِظَةِ الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ تصنُّع إِنَّمَا هُوَ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ وَمَا أَشْبَهَهَا.

وَمِثْلُهُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (٣) ـ ذكره بعض المفسرين ـ، وذلك أنهم (٤) لَمَّا أَلقى اللَّهُ الإِيمان فِي قُلُوبِهِمْ؛ حَضَرُوا عِنْدَ مَلِكِهِمْ دِقْيَانُوسَ الْكَافِرِ، فتحرَّكت فأْرة أَو هِرَّة خاف لأَجلها الملك، فنظر الفتية بعضهم إِلى بَعْضٍ، وَلَمْ يَتَمَالَكُوا أَن (٥) قَامُوا مصرِّحين بِالتَّوْحِيدِ، مُعْلِنِين بِالدَّلِيلِ وَالْبُرْهَانِ، مُنْكِرِينَ عَلَى الْمَلِكِ (٦) نِحْلَةَ الْكُفْرِ، باذِلين أَنفسهم فِي ذَاتِ اللَّهِ، فأَوعدهم، ثم أجّلهم (٧)، فَتَوَاعَدُوا الْخُرُوجَ إِلَى الْغَارِ، إِلَى أَن كَانَ مِنْهُمْ مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ. فليس في شيءٍ من (٨) ذَلِكَ صَعْقٌ وَلَا صِياح (٩)، وَلَا شَطح، وَلَا تَغَاشٍ مُسْتَعْمَلٌ، وَلَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ شأْن فقرائنا اليوم.


=والأثر أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص١٣٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٣٣ ـ ٣٤)، كلاهما من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح ذكوان السمان، فذكره.
وسنده رجاله ثقات، لكنه ضعيف لإرساله؛ فإن أبا صالح لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (٢٠١)، و"جامع التحصيل" (ص١٧٤).
(١) سورة مريم: آية (٥٨).
(٢) أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن (ص١٤٠) من طريق إسماعيل بن مجالد، عن هلال الوزّان، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به.
وفي سنده إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني وهو صدوق، إلا أنه يخطئ كما في "التقريب" (٤٨٠)، فالحديث ضعيف لأجله.
(٣) سورة الكهف: آية (١٤).
(٤) في (خ): "أنه"،
(٥) في (خ): "إلى أن".
(٦) قوله: "على الملك" ليس في (غ) و (م).
(٧) في (خ) و (م): "أخلفهم".
(٨) قوله: "شيء من" ليس في (خ).
(٩) قوله: "ولا صياح" ليس في (غ).