للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال الإمام العالم السني أبو بكر الآجُرِّي (١) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٢): مَيِّزوا هَذَا الْكَلَامَ؛ فَإِنَّهُ (٣) لم يقل (٤): صَرَخْنا من موعظته، وَلَا زَعَقْنا (٥)، وَلَا طَرَقْنا عَلَى رَؤُوسِنَا، وَلَا ضَرَبْنَا عَلَى صُدُورِنَا، وَلَا زَفَنّا، وَلَا رَقَصْنَا ـ كَمَا يَفْعَلُ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ؛ يَصْرُخُونَ عِنْدَ الْمَوَاعِظِ وَيَزْعَقُونَ، وَيَتَغَاشَوْنَ (٦) ـ. قَالَ: وَهَذَا (٧) كُلُّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ يَلْعَبُ بِهِمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ، وَيُقَالُ (٨) لِمَنْ فَعَلَ هَذَا:

اعْلَمْ (٩) أَن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصدق النَّاسِ مَوْعِظَةً، وأَنصح النَّاسَ لأُمته، وأَرقّ النَّاسِ قَلْبًا، وَخَيْرَ الناس: من (١٠) جاءَ بعده ـ ولا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ عَاقِلٌ ـ، مَا صَرَخُوا عِنْدَ موعظته، ولا زَعَقُوا، ولا رقصوا، ولا زَفَنُوا، وَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَكَانُوا أَحقَّ النَّاسِ بِهَذَا (١١) أَن يَفْعَلُوهُ بَيْنَ يَدَيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ بِدْعَةٌ وَبَاطِلٌ وَمُنْكَرٌ فَاعْلَمْ ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُهُ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.

وَلَا بُدَّ مِنَ النظر في الأَمر (١٢) الْمُوجِبِ للتأَثُّر الظَّاهِرِ فِي السَّلَفِ الأَوَّلين مَعَ هؤلاءِ المُدَّعين، فَوَجَدْنَا الأَوّلين يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الأَثر بسبب سماع (١٣) ذكر الله تعالى، وَبِسَبَبِ سَمَاعِ (١٤) آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ (١٥)، وَبِسَبَبِ رُؤْيَةٍ اعتباريَّة؛ كَمَا فِي قِصَّةِ الرَّبِيعِ عِنْدَ رؤيته للحدَّاد وللأَتُّون (١٦) ـ وَهُوَ مَوْقَدُ النَّارِ ـ، وَلِسَبَبِ قراءَةٍ فِي صَلَاةٍ أَو غيرها، ولم نجد أَحداً


(١) قوله: "الآجري" متقدم في (خ) على قوله: "العالم".
(٢) مظنَّة كلام الآجري هذا: كتابه "أخلاق أهل القرآن"، ولم أجد فيه هذا الكلام، ونقل بعضه ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص٢٨١).
(٣) قوله: "فإنه" من (خ) فقط.
(٤) في (غ): "يقولوا".
(٥) قوله: "ولا زعقنا" ليس في (خ).
(٦) في (خ): "ويتناشون".
(٧) في (ر) و (غ): "هذا".
(٨) في (غ) و (ر) و (م): "يقال".
(٩) في (م): "علم".
(١٠) في (غ): "فمن"، وفي (ر): "ممن".
(١١) في (خ): "أحق الناس به".
(١٢) في (خ): "الأمر كله".
(١٣) قوله: "سماع" ليس في (خ).
(١٤) في (خ): "ذكر الله أو بسماع".
(١٥) قوله: "وبسبب سماع آية من كتاب الله" مكرر في (غ).
(١٦) في (خ): "والأتون".