للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَرْقُصُونَ؟ أَو يَزْفُنُون؟ أَو يَدُورُونَ عَلَى أَقدامهم؟ أو نحو (١) ذَلِكَ؟ فَهُوَ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ الدَّاخِلِ تَحْتَ هَذَا الباب (٢).

وَوَقَعَ فِي كَلَامِ المُجيب لَفْظُ السَّمَاعِ غَيْرَ مُفَسَّر، ففهم مِنْهُ الْمُحْتَجُّ أَنه الغناءُ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ (٣) شِيعَتُهُ، وَهُوَ فَهْمُ عُمُومِ النَّاسِ، لَا فَهْمُ الصُّوفِيَّةِ، فإِنه (٤) عندهم ينطلق (٥) عَلَى كُلِّ صَوْتٍ أَفاد حِكْمَةً يَخْضَعُ لَهَا القلب، ويلين لها الجلد، وهو الذي يَجِدُون فيه (٦) ويتواجدون عِنْدَهُ (٧) التَّوَاجُدَ الْمَحْمُودَ، فَسَمَاعُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ سَمَاعٌ، وَكَذَلِكَ سَمَاعُ السُّنَّةِ، وَكَلَامُ الحكماءِ والفضلاءِ، حَتَّى أَصوات الطَّيْرِ وَخَرِيرُ الماءِ، وَصَرِيرُ الْبَابِ. وَمِنْهُ سماع المنظوم أَيضاً إِذا أَعطى حِكْمَةً، وَلَا يَسْتَمِعُونَ هَذَا الأَخير إِلا فِي الْفَرَطِ بَعْدَ الْفَرَطِ (٨)، وَعَلَى غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ، وَعَلَى غَيْرِ وَجْهِ الإلْذاذ (٩) وَالْإِطْرَابِ، ولا هم ممن يداوم (١٠) عَلَيْهِ أَو يَتَّخِذُهُ عَادَةً؛ لأَن ذَلِكَ كُلَّهُ قَادِحٌ فِي مَقَاصِدِهِمُ الَّتِي بَنَوْا عَلَيْهَا.

وَلِذَلِكَ (١١) قال الجُنيد رحمه الله: إِذا رأَيت المُرِيد يُحِبُّ السَّمَاع فَاعْلَمْ أَن فِيهِ بقيَّةً مِنَ البَطَالة (١٢).

وَإِنَّمَا لَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ إِنِ اتَّفَقَ: وَجْهُ الْحِكْمَةِ ـ إِنْ كَانَ فيه حكمة ـ،


(١) في (خ): "ونحو".
(٢) في (خ): "الجواب".
(٣) في (م): "يستعمله".
(٤) في (م): "فإنهم".
(٥) في (خ): "يطلق".
(٦) في (م): "عنده" بدل "فيه".
(٧) في (خ): "وهو الذي يتواجدون عنده".
(٨) قوله: "بعد الفرط" ليس في (خ)، وعلق عليه بهامش (م) بقوله: "الفرط: الحين، وأن تأتيه بعد الأيام، لا لأكثر من خمسة عشر، ولا أقل من ثلاثة".
(٩) في (خ): "الالتذاذ".
(١٠) في (م): "يدوم".
(١١) قوله: "ولذلك" ليس في (خ).
(١٢) أخرجه القشيري في "الرسالة" (ص٢٠٣) من طريق شيخه أبي عبد الرحمن محمد بن الحسين السلمي؛ قال: سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرازي يقول: سمعت الجنيد يقول ... ، فذكره.
وعن القشيري نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في "الاستقامة" (١/ ٣٩٥).