للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سِنِينَ، فَمَا رأَيته تَغَيَّرَ عِنْدَ سَمَاعِ شيءٍ يَسْمَعُهُ مِنَ الذِّكْرِ أَو الْقُرْآنِ أَو غَيْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ قُرئ بَيْنَ يديه: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (١): رأيته (٢) تغيَّر وارْتَعَدَ وَكَادَ يَسْقُطُ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى حَالِ صَحْوه سأَلته عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: يَا حَبِيبِي! ضَعُفْنَا.

وَقَالَ السُّلَمى: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عُثْمَانَ الْمَغْرِبِيِّ وَوَاحِدٌ يَسْتقي الماءَ مِنَ الْبِئْرِ عَلَى بَكَرة، فَقَالَ لِي: يَا أَبا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! تَدْرِي أَيْشٍ تَقُولُ هَذِهِ الْبَكْرَةُ؟ فَقُلْتُ: لَا. فَقَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ (٣).

فَهَذِهِ الْحِكَايَاتُ وأَشباهها تَدُلُّ عَلَى أَن السَّمَاعَ عِنْدَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وأَنهم لَا يُؤْثِرُونَ سَمَاعَ الأَشعار عَلَى غيرها، فضلاً عن (٤) أَن يَتَصَنَّعُوا فِيهَا بالأَغاني المُطْربة. وَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَبَعُدُوا عَنْ أَحوال السَّلَفِ الصَّالِحِ، أَخذ الْهَوَى فِي التَّفْرِيعِ فِي السَّمَاعِ حَتَّى صَارَ يُسْتَعْمَلُ مِنْهُ الْمَصْنُوعُ عَلَى قَانُونِ الأَلحان؛ فَتَعَشَّقَتْ بِهِ الطِّباع، وَكَثُرَ الْعَمَلُ بِهِ وَدَامَ ـ وإِن كَانَ قَصْدُهُمْ بِهِ الرَّاحَةَ فَقَطْ ـ، فَصَارَ قَذًى (٥) فِي طَرِيقِ سُلُوكِهِمْ فَرَجَعُوا بِهِ القَهْقَرى، ثُمَّ طال الأَمَدُ حتى اعتقده الجهال من أهل (٦) هذا (٧) الزمان (٨) وما قاربه قربة (٩)، وجُزْءًا (١٠) من أَجزاءِ طريقة التصوف، وهو الأَدْهَى والأمَرّ (١١).

وَقَوْلُ المُجِيب: وأَما مَنْ دَعَا طَائِفَةً إِلى منزله فتجاب دعوته، وله في


(١) سورة الحديد: الآية (١٥).
وقوله تعالى: {وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} ليس في (خ) و (م).
(٢) قوله: "رأيته" ليس في (خ) و (م).
(٣) في (خ): "الله" مرة واحدة.
وقول السلمي هذا أخرجه القشيري في الموضع السابق عنه.
وعن القشيري نقله ابن القيم في "مدارج السالكين" (٢/ ٤١٢ ـ ٤١٣).
(٤) في (خ) و (م): "على" بدل "عن".
(٥) في (ر) و (غ): "قد جاء" بدل "قذى" وفي (م): "قد"، والمثبت من (خ) فقط.
(٦) قوله: "أهل" سقط من (م).
(٧) قوله: "هذا" سقط من (غ).
(٨) في (خ): "الجهال في هذا الزمان".
(٩) في (خ): "أنه قربة".
(١٠) في (م): "جزءاً".
(١١) قوله: "الأمر" ليس في (خ) و (م).