للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآية: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} (١) إِلَى آخَرِ (٢) الْآيَةِ.

وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} يُرِيدُ أَنهم قَصَّرُوا فِيهَا وَلَمْ يَدُومُوا عَلَيْهَا.

قَالَ بَعْضُ نَقْلَةِ التَّفْسِيرِ: وَفِي (٣) هَذَا التأْويل لُزُومُ الْإِتْمَامِ لِكُلِّ مَنْ بدأَ بِتَطَوُّعٍ وَنَفْلٍ، وأنه يلزمه (٤) أن يرعاه (٥) حَقَّ رَعْيِهِ (٦).

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (٧): وَقَدْ زَاغَ قوم (٨) عن منهج الصواب، فظنوا (٩) أَنَّهَا رَهْبَانِيَّةٌ كُتِبَتْ (١٠) عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَن الْتَزَمُوهَا. قال: وليس يخرج هذا من (١١) مَضْمُونِ الْكَلَامِ، وَلَا يُعْطِيهِ أُسْلُوبُهُ وَلَا مَعْنَاهُ، وَلَا يُكْتَبُ عَلَى أَحد شَيْءٌ إِلا بِشَرْعٍ أَو نَذْرٍ. قَالَ: وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهل الْمِلَلِ، وَاللَّهُ أَعلم (١٢).

وَهَذَا الْقَوْلُ محتاج إِلى النظر والتأَمل إِذا بنينا على (١٣) الْعَمَلَ عَلَى وَفْقِهِ، إِذ أَكثر الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَوْلِ الأَول، فإِن هَذِهِ الْمِلَّةَ لَا بِدْعَةَ فِيهَا، وَلَا تَحْتَمِلُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِابْتِدَاعِ بِحَالٍ؛ للقطع بالدليل؛ إِذ كُلَّ (١٤) بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ـ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (١٥) ـ، فَالْأَصْلُ أَن يُتْبَعَ الدَّلِيلُ، وَلَا عَمَلَ عَلَى خِلَافِهِ.

وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُخَلِّي ـ بِحَوْلِ اللَّهِ ـ قَوْلَ أَبي أُمامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ نَظَرٍ صَحِيحٍ (١٦) عَلَى وِفْقِ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وإِن كَانَ فِيهِ بُعد بِالنِّسْبَةِ إِلى ظَاهِرِ الأَمر، وَذَلِكَ أَنه عَدَّ عَمَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جمع الناس في


(١) قوله تعالى: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} من (غ) فقط.
(٢) قوله: "إلى آخر" ليس في (خ).
(٣) في (غ) و (ر): "في".
(٤) قوله: "وأنه يلزمه" ليس في (خ).
(٥) في (غ) و (ر): "يرعه"، وفي (خ): "وأن يرعاه".
(٦) في (خ): "رعايته".
(٧) في "أحكام القرآن" (٤/ ١٧٤٥).
(٨) قوله: "قوم" ليس في (خ) و (م).
(٩) في (خ): "من يظن".
(١٠) في (غ): "كتب".
(١١) في (خ): "عن" بدل "من".
(١٢) قوله: "أعلم" ليس في (خ).
(١٣) قوله: "على" ليس في (خ).
(١٤) في (غ): "إن كان". وفي (ر): "إن كل".
(١٥) (ص١٠٨) من المجلد الأول، وسيأتي تخريجه أيضاً (ص٣١٨).
(١٦) في (غ): "صح". وفي (ر): "يصح".