للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَسْجِدِ (١) عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ فِي رَمَضَانَ بِدْعَةً؛ لِقَوْلِهِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَهُمْ يُصَلُّونَ: نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ، وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفضل (٢).

وَقَدْ مَرَّ أَنه إِنما سمَّاها بدعة بِاعْتِبَارٍ مَّا، وأَن قِيَامَ الإِمام بِالنَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ سُنَّةٌ، عَمِلَ بِهَا صَاحِبُ السُّنَّةِ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ الِافْتِرَاضِ (٣)، فَلَمَّا انْقَضَى زَمَنُ الْوَحْيِ زَالَتِ الْعِلَّةُ فَعَادَ (٤) الْعَمَلُ بِهَا إِلَى نِصَابِهِ، إِلا أَن ذَلِكَ لَمْ يتأَتَّ لأبي بكر رضي الله تعالى عَنْهُ زَمَانَ (٥) خِلَافَتِهِ؛ لِمُعَارَضَةِ مَا هُوَ أَولى بِالنَّظَرِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ صَدْرُ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَتَّى تَأَتَّى النَّظَرُ فَوَقَعَ مِنْهُ ما عُلم (٦)، لَكِنَّهُ صَارَ فِي ظَاهِرِ الأَمر كأَنه أَمر لم يَجْر عليه (٧) عملُ مَنْ تَقَدَّمَهُ دَائِمًا، فَسَمَّاهُ بِذَلِكَ الِاسْمِ، لَا أَنه أَمر عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ من السنة.

فكأَنّ أَبا أُمامة رضي الله عنه اعتبر فيه نظر ترك (٨) الْعَمَلِ بِهِ، فَسَمَّاهُ إِحداثاً، مُوَافَقَةً لِتَسْمِيَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ثُمَّ أَمر بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ من أَن ترك الرعاية هو ترك الدوام، وأنهم قصدوا إِلى (٩) الْتِزَامِ عملٍ لَيْسَ بِمَكْتُوبٍ، بَلْ هُوَ مَنْدُوبٌ، فَلَمْ يُوفُوا بِمُقْتَضَى مَا الْتَزَمُوهُ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي التطوُّعات غَيْرِ (١٠) اللَّازِمَةِ، وَلَا السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ، يَقَعُ (١١) عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما أَن تُؤْخَذَ عَلَى أَصلها فِيمَا اسْتَطَاعَ الإِنسان، فَتَارَةً يَنْشَطُ لَهَا (١٢)، وَتَارَةً لَا يَنْشَطُ، أَوْ يُمْكِنُهُ تَارَةً بِحَسْبِ الْعَادَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ أُخْرَى لِمُزَاحَمَةِ أشغالٍ وَنَحْوِهَا، وما أشبه ذلك؛ كالرجل يكون


(١) في (غ) و (ر): "الناس بالمسجد".
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الأول (ص٥٠).
(٣) سيأتي تخريجه (ص١٥٥).
(٤) في (خ): "فعادت".
(٥) في (غ) و (ر): "زمن".
(٦) قوله: "ما علم" ليس في (خ) و (م).
(٧) في (خ) و (م): "به".
(٨) في (خ): "ذلك".
(٩) في (خ) و (م): "دوامهم على" بدل "الدوام وأنهم قصدوا إلى".
(١٠) في (خ): "الغير"، وعلق عليها رشيد رضا بقوله: كلمة "غير" لا يدخل عليها حرف التعريف. اهـ.
(١١) قوله: "يقع" ليس في (غ) و (ر).
(١٢) في (غ): "له".