للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لَهُ الْيَوْمَ مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فَيَتَصَدَّقُ وَلَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ غَدًا، أَوْ يَكُونُ لَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْشَطُ للعطاءِ، أَو يَرَى إِمساكه أَصلح فِي عَادَتِهِ الْجَارِيَةِ لَهُ، أَو غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الأَمور الطَّارِئَةِ للإِنسان. فَهَذَا الوجه لا حَرَج على أَحدٍ في ترك (١) التطوُّعات كلها (٢)، ولا عَتَبَ (٣) وَلَا لَوْمَ عَلَيْهِ (٤)، إِذ لَوْ كَانَ ثَمَّ لَوْمٌ أَوْ عُتْبٌ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا، وَهُوَ خلاف الفرض.

والثاني: أَن تؤخذ مأْخذ الْمُلْتَزِمَاتِ، كَالرَّجُلِ يَتَّخِذُ لِنَفْسِهِ وَظِيفَةً رَاتِبَةً مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوقات، كالتزام قيام حظٍّ من الليل مثلاً، أو صيام (٥) يَوْمٍ بِعَيْنِهِ لفضلٍ ثَبَتَ فِيهِ عَلَى الْخُصُوصِ؛ كَعَاشُورَاءَ وَعَرَفَةَ (٦)، أَو يتَّخذ وَظِيفَةً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ (٧)، وَمَا أَشبه ذَلِكَ. فَهَذَا الْوَجْهُ أَخذت فِيهِ التَّطَوُعَاتُ مأْخذ الْوَاجِبَاتِ مِنْ وجه؛ لأَنه لما نوى الدؤوب عليها في الاستطاعة، أَشبهت الواجبات أو السنن (٨) الراتبة، كما أَنه لما (٩) كَانَ ذَلِكَ الإِيجاب غَيْرَ لَازِمٍ بِالشَّرْعِ لَمْ يَصِرْ وَاجِبًا؛ إِذ تَرْكُه أَصلاً لَا حَرَجَ فِيهِ فِي الْجُمْلَةِ؛ أَعني تَرْكَ الِالْتِزَامِ. وَنَظِيرُهُ عِنْدَنَا النَّوَافِلُ الرَّاتِبَةُ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فِي الأَصل، وَمِنْ حَيْثُ صَارَتْ رَوَاتِبَ أَشبهت السُّنَنَ وَالْوَاجِبَاتِ.

وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ (١٠) صَلَّاهُمَا فَسُئِلَ عَنْهُمَا، فَقَالَ: "يا ابنة أَبي أُمَيَّة! سأَلت عن


(١) في (ر) و (غ): "أخذ" بدل "ترك"، وفي (م) يشبه أن تكون: "اخر" ووضع عليها إشارة، وكتب في الحاشية: "لعله ترك".
(٢) في (غ) و (م) و (ر): "كلها عليه"، والمثبت من (خ) فقط، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: لعله سقط من هنا كلمة "وفيه".اهـ.
(٣) قوله: "ولا عتب" ليس في (خ) و (م).
(٤) قوله: "عليه" من (خ) فقط، وهو في باقي النسخ بعد قوله: "كلها".
(٥) في (خ): "وصيام".
(٦) في (ر) و (غ): "أو عرفة".
وتقدم ذكر الدليل على فضل صيام هذين اليومين (ص٢٧) من هذا الجزء.
(٧) وفي فضله قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} سورة غافر: آية (٥٥) وغيرها من الآيات.
(٨) في (خ): "والسنن".
(٩) في (خ) و (م): "لو" بدل "لما".
(١٠) في (خ): "من" بدل "حين"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: لعله "حين صلاهما".اهـ.