للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الركعتين بعد العصر؟ إنه (١) أَتى نَاسٌ مِنْ عَبَدَ الْقَيْسِ (٢) بالإِسلام مِنْ قَوْمِهِمْ، فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، فَهُمَا هَاتَانِ" (٣)؛ لأَنه سُئِلَ عَنْ صَلَاتِهِ لَهُمَا بعد ما نهى عنهما، لأنه (٤) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظهر كالنوافل الراتبة، فلما فَاتَتَاهُ صَلَّاهُمَا بَعْدَ وَقْتِهِمَا، كالقضاءِ لَهُمَا حَسْبَمَا يقضى الواجب.

فصار إذاً (٥) لهذا النوع من التطوع حالة بَيْنَ حَالَتَيْنِ، إِلا أَنه رَاجِعٌ إِلى خِيْرَةِ المُكَلَّف، بِحَسَبَ مَا فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ. وإِذا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ فَهِمْنَا مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ أَيضاً الأَخذ بالرِّفْق والتيسير، وأَن لا يلتزم (٦) المُكَلّف مَا لَعَلَّهُ يَعْجِزُ عَنْهُ أَو يَحْرَجُ (٧) بِالْتِزَامِهِ، فَإِنْ الِالْتِزَامَ (٨) إِن لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ النذر (٩) الَّذِي يُكره ابْتِدَاءً، فَهُوَ يَقْرُبُ مِنَ الْعَهْدِ الَّذِي يَجْعَلُهُ الإِنسان بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَالْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ، فَصَارَ الإِخلال بِهِ مكروهاً.

والدليل على صحة الأَخذ بالرفق والتيسير (١٠)، وأَنه الأَولى وَالْأَحْرَى ـ وإِن كَانَ الدَّوَامُ عَلَى الْعَمَلِ أَيضاً مَطْلُوبًا عَتِيدًا (١١) ـ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (١٢): {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (١٣) عَلَى قَوْلِ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَن (١٤) الْكَثِيرَ مِنَ الأَمر وَاقِعٌ فِي التَّكَالِيفِ الإِسلامية. وَمَعْنَى


(١) قوله: "إنه" ليس في (خ) و (م).
(٢) في (غ) و (ر): "عبد قيس".
(٣) أخرجه البخاري (١٢٣٣ و٤٣٧٠)، ومسلم (٨٣٤).
(٤) في (خ): "فإنه".
(٥) في (خ): "ح" بدل "إذا"، وهو اختصار لقوله: "حينئذٍ".
(٦) في (خ): "لا يلزم".
(٧) في (خ): "يخرج".
(٨) في (خ): "ترك الالتزام".
(٩) في (خ): "القدر".
(١٠) قوله: "والتيسير" ليس في (خ) و (م).
(١١) في (غ): "مطلوب عتيد"، وفي (م) و (ر): "مطلوباً عتيد". وعتيد: تأتي بعدة معاني، منها: إذا جَسُمَ الشيء قيل له: عتيد. ومنها: المُعَدّ الحاضر. انظر: "لسان العرب" (٣/ ٢٧٩ ـ ٢٨٠).
(١٢) في (غ) و (ر): "في القرآن والسنة كقوله تعالى"، وعلق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: الظاهر أن قوله: "في الكتاب والسنّة" صفة للدليل، وأن الآية خبر المبتدأ باعتبار لفظها؛ أي: والدليل؛ قوله: {وَاعْلَمُوا} إلخ. اهـ.
(١٣) سورة الحجرات: الآية (٧).
(١٤) في (ر) و (غ): "بأن".