للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هَذَا؟ " فَقُلْتُ: هَذَا فُلَانٌ، فَذَكَرْتُ مِنْ عِبَادَتِهِ وَصَلَاتِهِ، فَقَالَ: "إِن خَيْرَ دِينِكُمْ أَيسره" (١).

وَهَذَا مشعر بِعَدَمِ الرِّضَا بِتِلْكَ الْحَالَةِ، وإِنما ذَلِكَ مَخَافَةَ الكراهية للعمل، وكراهية العمل مظنَّة الترك (٢) الَّذِي هُوَ مَكْرُوهٌ لِمَنْ أَلزم نَفْسَهُ لأَجل نَقْضِ الْعَهْدِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ.

وَقَدْ مَرَّ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فإِن قوله صلّى الله عليه وسلّم: "فإِن الْمُنْبَتَّ لا أَرضاً قَطَع، ولا ظهرا أَبقى" مع قوله: "ولا تُبَغِّضوا إِلى أَنفسكم (٣) عبادة الله (٤) " يَدُلُّ عَلَى أَن بُغْضَ الْعَمَلِ وَكَرَاهِيَتَهُ مَظِنَّةُ الانقطاع، ولذلك مثّل صلّى الله عليه وسلّم بالْمُنْبَتّ ـ وَهُوَ الْمُنْقَطِعُ (٥) عَنِ اسْتِيفَاءِ الْمَسَافَةِ ـ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ.

وَالْخَامِسُ: الْخَوْفُ مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ، فإِن الْغُلُوَّ هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْأَمْرِ، وَمُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِيهِ إِلى حَيِّز الْإِسْرَافِ، وَقَدْ دلَّ عَلَيْهِ مِمَّا تَقَدَّمَ أَشياء، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: "يَا أَيها النَّاسُ! عَلَيْكُمْ بِالْقَصْدِ (٦) ... "، الْحَدِيثَ (٧).

وَقَالَ الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (٨).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قال لي رسول الله (ص) غَدَاةَ الْعَقَبَة: "الْقُطْ (٩) لِي حَصَيَاتٍ (١٠) مِنْ حَصَى الخَذْف، فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ (١١) قَالَ: "بأَمثال هَؤُلَاءِ (١٢)، إِياكم وَالْغُلُوَّ في الدين! فإِنما هلك مَن


(١) في (خ): "يسره".
(٢) في (خ) و (م): "للترك".
(٣) في (خ): "إلى نفسكم".
(٤) في (خ): "العبادة".
(٥) قوله: " (ص) بالمنبت وهو المنقطع" مكرر في (م).
(٦) في (خ): "أنفسكم بالقصد".
(٧) تقدم تخريجه في الصفحة السابقة.
(٨) سورة النساء: الآية (١٧١)، وسورة المائدة: الآية (٧٧).
(٩) في (خ): "اجمع"بدل "القط"، وسقط من أصل (م) وأثبت في الهامش هكذا: "أبغ".
(١٠) في (ر) و (غ): "حصاة".
(١١) في (غ) و (ر): "وضعتهن بيده".
(١٢) في (خ): "فأمثال هؤلاء، ما مثل هؤلاء".