للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَتَزْيِينِهِ فِي الْقُلُوبِ (١) ـ، كَانَ مَكْرُوهًا؛ لأَنه عَلَى خِلَافِ وَضْعِ الشَّرِيعَةِ، فَلَمْ يَنْبَغِ أَن يَدْخُلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ.

وأَما (٢) الثَّانِي: فإِن الْحُقُوقَ المتعلِّقة بالمكلَّف عَلَى أَصناف كَثِيرَةٍ، وأَحكامها تَخْتَلِفُ حَسْبَمَا تُعْطِيهِ أُصول الأَدلة، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنه إِذَا تَعَارَضَ عَلَى المكلَّف حَقَّان وَلَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مَا هُوَ آكَدُ فِي مُقْتَضَى الدَّلِيلِ. فَلَوْ تَعَارَضَ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ لقُدِّم الْوَاجِبَ عَلَى الْمَنْدُوبِ، وَصَارَ الْمَنْدُوبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ مَنْدُوبٍ، بَلْ صَارَ واجبَ التَّرْكِ عَقْلًا أَو شَرْعًا؛ مِنْ بَابِ "مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ".

وإِذا صَارَ وَاجِبَ التَّرْكِ، فَكَيْفَ يَصِيرُ الْعَامِلُ بِهِ إِذ ذَاكَ متعبِّداً لله (٣) به، بل هو متعبد بمطلوب الترك في الجملة، فأَشبه التعبد بالبدعة من هذا الوجه، ولكنه مع ذلك مُتَعَبِّدٌ (٤) بِمَا هُوَ مَطْلُوبٌ فِي أُصول الأَدلة؛ لأَن دليل الندب عتيد، ولكنه عرض فيه (٥) بالنسبة إِلى هذا المتعبّد (٦) مَانِعٌ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ حُضُورُ الْوَاجِبِ، فإِن عَمِلَ بِالْوَاجِبِ فَلَا حَرَجَ فِي تَرْكِ الْمَنْدُوبِ عَلَى الْجُمْلَةِ، إِلا أَنه غَيْرُ مُخْلِصٍ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ الِالْتِزَامِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ. وإِن عَمِلَ بِالْمَنْدُوبِ عَصَى بِتَرْكِ الواجب.

ويبقى (٧) النظر في المندوب: هل وقع موقعه من النَّدْبِ أَم لَا؟ فإِن قُلْنَا (٨): إِن تَرْكَ الْمَنْدُوبِ هُنَا وَاجِبٌ عَقْلًا، فَقَدْ يَنْهَضُ الْمَنْدُوبُ سَبَبًا لِلثَّوَابِ مَعَ مَا فِيهِ؛ مِنْ كَوْنِهِ مَانِعًا مِنْ أَداءِ الْوَاجِبِ. وإِن قُلْنَا (٩): إِنه وَاجِبٌ شَرْعًا، بَعُدَ مِنَ انْتِهَاضِهِ سَبَبًا لِلثَّوَابِ إِلا عَلَى وَجْهٍ مَا، وَفِيهِ أَيضاً مَا فِيهِ.

فأَنت تَرَى مَا فِي الْتِزَامِ النَّوَافِلِ على كل تقدير فُرِضَ (١٠) إِذا كان


(١) علق عليه رشيد رضا بقوله: جواب "وإذا كان الإيغال" إلخ. اهـ.
(٢) قوله: "وأما" في مكانه بياض في (غ).
(٣) في (غ) و (ر): "إليه" بدل "لله".
(٤) من قوله: "بمطلوب الترك" إلى هنا سقط من (خ) و (م).
(٥) في (خ) و (م): "مع ذلك" بدل "عرض فيه".
(٦) في (خ) و (م): "التعبد".
(٧) في (خ) و (م): "وبقي".
(٨) في (خ): "قلت".
(٩) علق رشيد رضا هنا بقوله: المناسب للشق الأول من الترديد: "وإن قلت".اهـ.
(١٠) في (خ): "فرضاً".