للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مؤدِّياً لِلْحَرَجِ (١)، وَهَذَا كُلُّهُ إِذا كَانَ الِالْتِزَامُ صَادًّا عَنِ الوفاءِ بِالْوَاجِبَاتِ مُبَاشَرَةً، قَصْدًا أَو غَيْرَ قَصْدٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ مَعَ أَبي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (٢)، إِذ كَانَ الْتِزَامُ قِيَامِ اللَّيْلِ مَانِعًا له من أَداءِ حَقِّ (٣) الزَّوْجَةِ؛ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَلِكَ الْتِزَامُ صِيَامِ النَّهَارِ.

وَمِثْلُهُ لَوْ كَانَ الْتِزَامُ صَلَاةِ الضُّحَى أَو غَيْرِهَا مِنَ النَّوَافِلِ مُخِلاًّ بقيامه على مريضه المُشْرِف، أَو القيام (٤) على إِعانة أَهله بِالْقُوتِ، أَو مَا أَشبه (٥) ذَلِكَ. وَيَجْرِي مَجْرَاهُ ـ وإِن لَمْ يَكُنْ فِي رُتْبَتِهِ ـ: أَن لَوْ كَانَ ذَلِكَ الِالْتِزَامُ يُفْضِي بِهِ إِلى ضَعْفِ بَدَنِهِ، أَو نَهْكِ (٦) قُوَاهُ، حَتَّى لَا يقدر على الاكتساب على أَهله (٧)، أَو أَداءِ فَرَائِضِهِ عَلَى وَجْهِهَا، أَو الْجِهَادِ، أَو طَلَبِ الْعِلْمِ، كَمَا نَبَّه عَلَيْهِ حَدِيثُ داود عليه السلام (٨): أَنه كان يصوم يوما وَيُفْطِرُ يَوْمًا (٩)، وَلَا يَفِرُّ إِذا لَاقَى.

وَقَدْ جاءَ فِي مَفْرُوضِ الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ مِنَ التَّخْيِيرِ مَا جاءَ، ثُمَّ إِن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ: "إِنكم قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عدوِّكم، وَالْفِطْرُ أَقوى لَكُمْ". قَالَ أَبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فأَصبحنا مِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ. قَالَ: ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزَلًا، فَقَالَ: "إِنكم تصبِّحون عدوَّكم وَالْفِطْرُ أَقوى لَكُمْ، فأَفطروا". قَالَ: فَكَانَتْ عَزِيمَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (١٠).

وَهَذِهِ إِشارة إِلى أَن الصِّيَامَ رُبَّمَا أَضعف عَنْ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَعَمَلِ الْجِهَادِ، فَصِيَامُ النفل أَولى بهذا الحكم.


(١) في (ر) و (غ): "إلى الحرج".
(٢) تقدم تخريجه (ص١٦٦).
(٣) في (خ) و (م): "حقوق".
(٤) في (خ): "والقيام".
(٥) في (غ) و (ر): "وما أشبه".
(٦) في (غ) و (ر): "ونهك".
(٧) في (خ): "لأهله".
(٨) تقدم تخريجه (ص١٥٧).
(٩) قوله: "يوماً" الثاني سقط من (خ).
(١٠) أخرجه مسلم (١١٢٠) من حديث أبي سعيد.