للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ردَّ رسول الله (ص) (١) التبُّتل (٢) حَسْبَمَا تَقَدَّمَ (٣).

وإِن كَانَتْ بِمَعْنَى الِانْقِطَاعِ إِلى اللَّهِ حَسْبَمَا شَرَع، وَعَلَى (٤) حدِّ مَا انْقَطَعَ إِلَيْهِ (٥) رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ المُخَاطَب بِقَوْلِهِ: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (٦)، فهذا هو الذي نحن في تقريره: أنه (٧) السُّنَّة المُتَّبَعَةُ، والهَدْيُ الصَّالِحُ، وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ زَيْدِ بْنِ أَسلم وَغَيْرِهِ فِي معنى التبتُّل ما يُنَافِرُ (٨) هَذَا الْمَعْنَى؛ لأَن رَفْض الدُّنْيَا لَيْسَ بِمَعْنَى طَرْح اتِّخَاذِهَا جُمْلَةً، وَتَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، بَلْ بِمَعْنَى تَرْكِ الشُّغل بِهَا عَمَّا كُلِّف الإِنسان بِهِ مِنَ الْوَظَائِفِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَاجْعَلْ سِيَرَ السَّلَفِ الصالح فيها (٩) مِرْآةً لَكَ تَنْظُرُ فِيهَا مَعْنَى التبتُّل عَلَى وجهه (١٠)؛ اقْتِداءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَقَدْ كَانُوا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ مُكْتَسِبِينَ لِلْمَالِ، متمتِّعين (١١) بِهِ فِيمَا أُبيح لَهُمْ، مُنْفِقِين لَهُ حَيْثُ نُدبوا، لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُلُوبِهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ، إِذا عَنَّ لَهُمْ أَمر أَو نَهْي، بَلْ قَدَّموا أَمر اللَّهِ وَنَهْيَهُ عَلَى حُظُوظِ أَنْفُسِهِمُ الْعَاجِلَةِ (١٢) عَلَى وجهٍ لَمْ يُخِلَّ بِحُظُوظِهِمْ فِيهِ، وَهُوَ التوسُّط الذي تقدم تقريره (١٣).

ثُمَّ نَدَبَهُمُ الشَّارِعُ إِلى اتِّخَاذِ الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ، فَبَادَرُوا إِلى الِامْتِثَالِ، وَلَمْ يَقُولُوا: هُوَ شَاغِلٌ لَنَا عَمَّا أُمرنا بِهِ؛ لأَن هَذَا الْقَوْلَ مُشْعِرٌ بِالْغَفْلَةِ عَنْ مَعْنَى التَّكْلِيفِ بِهِ، فإِن الأَصل الشَّرْعِيَّ: أَن كلَّ مَطْلُوبٍ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُتعبَّد بِهِ إِلى اللَّهِ تَعَالَى، ويُتقرب بِهِ إِلَيْهِ. فَالْعِبَادَاتُ (١٤) المَحْضَة ظاهرٌ فِيهَا ذَلِكَ، وَالْعَادَاتُ (١٥) كلُّها إِذا قُصد بِهَا امْتِثَالُ أمر الله عبادات؛ إِلا أنه إِذا


(١) قوله: "رسول الله" ليس في (خ).
(٢) في (ر) و (غ): "المتبتل".
(٣) انظر صفحة (٢٠٦ ـ ٢٠٨).
(٤) في (غ) و (ر): "على".
(٥) في (م): "ما انقطع إلى الله".
(٦) سورة المزمل: الآية (٨).
(٧) في (خ) و (م): "وأنه".
(٨) في (خ) و (م): "ما يناقض".
(٩) قوله: "فيها" ليس في (خ) و (م).
(١٠) في (خ): "على وجه".
(١١) قوله: "متمتعين" سقط من (خ) و (م).
(١٢) في (خ): "الفاصلة".
(١٣) في (خ) و (م): "ذكره" بدل "تقريره".
(١٤) في (ر) و (غ): "بالعبادات".
(١٥) في (غ) و (ر) و (خ): "والعبادات".