للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم (١) يقصد بها ذلك القصد (٢)، ونَحَى (٣) بِهَا نَحْوَ الْحَظِّ مُجَرَّداً، فَإِذْ ذَاكَ لَا تَقَعُ مُتَعَبَّداً بِهَا، وَلَا مُثَابًا عَلَيْهَا، وإِن صَحّ وُقُوعُهَا شَرْعًا.

فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَالَى عَنْهُمْ قَدْ فَهِمُوا هَذَا الْمَعْنَى، وَلَا يُمْكِنُ مَعَ فَهْمِه أَنْ تَتَعَارَضَ (٤) الأَوامر فِي حَقِّهِمْ، وَلَا فِي حَقٍّ مَنْ فَهِمَ مِنْهَا ما فهموا (٥)، فالتبتُّل عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَصِيلٌ فِي الْجَرَيَانِ عَلَى السُّنَّةِ، وَكَذَلِكَ كَلَامُ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ صَحِيحٌ إِذا "أَخَذَ هَذَا المأْخذ؛ أي: لا تتبع الهوى (٦) وَاتَّبِعْ أَمر رَبِّكَ؛ فإِنه الْعَلِيمُ بِمَا يَصْلُح لَكَ، وَالْقَائِمُ عَلَى تَدْبيرك، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَى أَثرها: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً *} (٧)؛ أَيْ: فَكَمَا أَنَّهُ (٨) وَكِيلٌ لَكَ بِالنِّسْبَةِ إِلى مَا لَيْسَ مِنْ كَسْبِك، فَكَذَلِكَ هُوَ وَكِيلٌ عَلَى مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ كَسْبك؛ مِمَّا هُوَ (٩) تَكْلِيفٌ فِي حَقِّك. وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَوَكّل لَكَ فِيهِ: أَنْ لَا تُدخِل نَفْسَكَ في عملٍ تُحرَج بسببه حالاً أو مآلاً.

وَقَدْ فُسِّرَ التبتُّلُ بأَنه الإِخلاص، وَهُوَ قَوْلُ مجاهد (١٠) والضحاك (١١).


(١) في (خ): "إلا أنه لم"، وفي (م): "إلا أنه ما لم".
(٢) في (غ): "المقصود".
(٣) في (خ) و (م): "يجيء".
(٤) في (م): "يتعارض".
(٥) في (خ): "ما فهموا منها".
(٦) في (خ): "أي: اتبع الهوى"، فأصلحها رشيد رضا هكذا: "أي اتبع الهدى"، ثم علق عليه بقوله: في الأصل: "اتبع الهوى" بالواو، ولعل في الكلام تحريفاً ونقصاً. اهـ ..
(٧) سورة المزمل: الآية (٩).
(٨) في (خ): "أي: بك وإنه".
(٩) قوله: "هو" سقط من (ر).
(١٠) أخرجه آدم بن أبي إياس في "تفسيره" المطبوع باسم "تفسير مجاهد" (ص٧٠٠) عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً}؛ يقول: أخلص إليه إخلاصاً.
وسنده صحيح.
وأخرجه ابن جرير في "تفسيره" (٢٣/ ٦٨٨) من طريق سفيان الثوري وجرير بن عبد المجيد، كلاهما عن منصور به.
(١١) أخرجه ابن جرير الطبري من الموضع السابق، فقال: حُدِّثت عن الحسين؛ قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: ثنا عبيد؛ قال: سمعت الضحاك يقول ـ في قوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} ـ؛ قال: أخلص إليه إخلاصاً.
وسنده ضعيف لإبهام شيخ ابن جرير.