للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا تَعَارُضَ بَيْنِهِمَا؛ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى تَقْدِيمِ الْقَطْعِيِّ، وَمِثْلُ الْحَدِيثِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الْآيَةَ (١).

وَمِنْ ذَلِكَ: الِاقْتِصَارُ مِنَ المأْكول عَلَى أَخْشَنِه (٢) وأَفْظَعهِ لمجرَّد التَّشْدِيدِ، لَا لِغَرَضٍ سِوَاهُ، فَهُوَ مِنَ النَّمَطِ الْمَذْكُورِ فَوْقَه؛ لأَن الشَّرْعَ لَمْ يَقْصِدْ إِلى تَعْذِيبِ النَّفْسِ فِي التَّكْلِيفِ (٣)، وَهُوَ أَيْضًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "إِن لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا" (٤). وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأْكل الطَّيِّب إِذا وَجَدَهُ (٥) وَكَانَ يُحِبُّ الحلواءَ وَالْعَسَلَ (٦)، وَيُعْجِبُهُ لَحْمُ الذِّرَاعِ (٧)، ويُسْتَعْذَب لَهُ الماءُ (٨)، فأَين التَّشْدِيدُ مِنْ هذا؟


=الكلام؛ قلنا: وهذا فيه ما فيه! ولكنه لا يعنيه، ولو عناه لكان أهون.
فخبر الواحد الفرد ليس بصحيح أنه ظني بإطلاق، بل إذا احتفت به قرائن فإنه يفيد العلم؛ كما تجد تفصيله في كثير من الكتب التي تناولت هذا الموضوع بالتفصيل، ومن ذلك: "مختصر الصواعق" لابن القيم، و"حجية خبر الآحاد" للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين.
ومع هذا فالشاطبي متابع لأهل الكلام في مصطلحهم هذا.
(١) إلى هنا انتهى ذكر الآية في (خ) و (م).
(٢) سورة التوبة: الآية (١٢٠).
(٣) في (ر) و (غ): "خشنه".
(٤) أخرج البخاري (١٨٦٥)، ومسلم (٦٤٢) من حديث أنس: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شيخاً يُهَادى بين ابنيه، فقال: "ما بال هذا؟ " قالوا: نذر أن يمشي. قال: "إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني"، وأمره أن يركب.
(٥) تقدم تخريجه صفحة (١٥٧).
(٦) ومنه أكله اللحم. انظر: "صحيح البخاري" (٤٧١٢) (٥٠٩٧)، و"صحيح مسلم" (١٩٤).
(٧) أخرجه البخاري (٥٢٦٨)، ومسلم (١٤٧٤) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٨) أخرجه البخاري (٤٧١٢)، ومسلم (١٩٤) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٩) أخرجه أحمد (٦/ ١٠٨)، وأبو داود (٣٧٣٥)، وابن حبان (٥٣٣٢)، والحاكم (٤/ ١٣٨) من طريق الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يُستعذب له الماء من بيوت السُّقيا.
قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم".
قال الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٧٤): "إسناده جيد".
وقد توبع عليه الدَّرَاوَرْدي من أوجهٍ لا يصح منها شيء؛ فقد تابعه:=
١ ـ عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير: