للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأَوامر إِذا تُركت وَالنَّوَاهِي إِذا ارتُكبت جَزَاءً عَلَى خِلَافِ الأَول؛ لِيَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُنْهِضًا لِعَزَائِمِ المكلَّفين فِي الِامْتِثَالِ، حَتَّى إِنه وَضَعَ لأَهل الامتثال المثابرين على المتابعة (١) فِي أَنفس التَّكَالِيفِ أَنواعاً مِنَ اللَّذَّاتِ الْعَاجِلَةِ، والأَنوار الشَّارِحَةِ لِلصُّدُورِ، مَا لَا يَعْدِلُهُ مِنْ لَذَّاتِ الدُّنْيَا شَيْءٌ، حَتَّى يَكُونَ سَبَبًا لاسْتِلْذاذ الطَّاعَةِ، والفِرَار إِليها، وَتَفْضِيلِهَا عَلَى غَيْرِهَا، فَيَخِفَّ عَلَى الْعَامِلِ العملُ، حَتَّى يَتَحَمَّلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ قَادِرًا قبلُ عَلَى (٢) تحمُّله إِلا بالمشقَّة (٣) الْمَنْهِيِّ عَنْهَا؛ فإِذا سَقَطَتْ سَقَطَ النَّهْيُ.

بَلْ تأَمّلوا كَيْفَ وَضَعَ للأَطعمة عَلَى اخْتِلَافِهَا (٤) لذّاتٍ مُخْتَلِفَاتِ الأَلوان، وللأَشربة (٥) كَذَلِكَ، وَلِلْوِقَاعِ (٦) الْمَوْضُوعِ سبباً لاكتساب العيال ـ وهو أَشد تَعَباً (٧) على النَّفْسِ ـ لذَّةً أَعْلَى مِنْ لَذَّةِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، إِلى غير ذلك من الأُمور الخارجة عَنْ نَفْسِ المُتَنَاوَلِ (٨)، كَوَضْعِ الْقَبُولِ فِي الأَرض، وَتَرْفِيعِ الْمَنَازِلِ، والتقدُّم (٩) عَلَى سَائِرِ النَّاسِ فِي الأُمور العِظَام (١٠)، وهي أَيضاً تقتضي لذّاتٍ تُسْتَصْغَرُ في جَنْبَهَا لذّاتُ الدُّنْيَا.

وإِذا كَانَ كَذَلِكَ، فأَين هذا الوَضْع (١١) الْكَرِيمُ مِنَ الرَّبِّ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؟ فَمَنْ يأْتي مُتَعَبِّدًا ـ بِزَعْمِهِ ـ بِخِلَافِ مَا وَضَعَ الشَّارِعُ لَهُ مِنَ الرِّفْقِ وَالتَّيْسِيرِ والأَسباب الْمُوصِلَةِ إِلى مَحَبَّتِهِ، فيأْخذ بالأَشق والأَصعب، ويجعله


(١) في (خ): "الثائرين على المبايعة".
(٢) قوله: "على" ليس في (خ) و (م).
(٣) في (غ) و (ر): "لا بالمشقة".
(٤) في (غ) و (ر): "اختلاف".
(٥) في (ر) و (غ): "والأشربة".
(٦) في (غ) و (ر): "للوقاع".
(٧) في (ر) و (غ): "نصباً".
(٨) في (غ) و (ر): "التناول".
(٩) في (غ) و (ر): "والتقديم".
(١٠) في (خ) و (م): "العظائم".
(١١) في (خ): "الموضع".