للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهَا السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ؛ فَذَلِكَ ابْتِدَاعٌ (١).

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ: أَنه لَمْ يأْت عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحد مِنَ (٢) أَصحابه، ولا التَّابِعِينَ لَهُمْ بإِحسان (٣) فعلُ هَذَا الْمَجْمُوعِ هَكَذَا مَجْمُوعًا، وإِن أَتى مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تِلْكَ التقييدات مشروعاً (٤). فالتقييد في المطلقات التي لم يثبت (٥) بدليل الشرع تقييدها رأيٌ (٦) في التشريع، كما أَن إِطلاق المُقَيَّدات شرعاً رأْي فِي التَّشْرِيعِ (٧)، فَكَيْفَ إِذا عَارَضَهُ الدَّلِيلُ؛ وَهُوَ الأَمر بإِخفاءِ النَّوَافِلِ مَثَلًا؟

وَوَجْهُ دُخُولِ الِابْتِدَاعِ هُنَا: أَن كُلَّ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم من النَّوَافِلِ وأَظهره فِي الْجَمَاعَاتِ فَهُوَ سُنَّة، فَالْعَمَلُ بِالنَّافِلَةِ الَّتِي (٨) لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ ـ عَلَى طَرِيقِ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ ـ إِخراج لِلنَّافِلَةِ عَنْ مَكَانِهَا الْمَخْصُوصِ بِهَا شَرْعًا. ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْعَوَامِّ فِيهَا، وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ لِأَنَّ اعْتِقَادَ مَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ سُنَّةً (٩)، وَالْعَمَلَ بِهَا عَلَى حَدِّ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ: نحوٌ مِنْ تَبْدِيلِ الشَّرِيعَةِ (١٠)، كَمَا لَوِ اعْتَقَدَ فِي الْفَرْضِ أَنه لَيْسَ بِفَرْضٍ، أَو فيما (١١) ليس بفرض أَنه فرض، ثم عمل على وَفْقَ اعْتِقَادِهِ، فإِنه فَاسِدٌ، فَهَبِ العَمَلَ فِي الأَصل صَحِيحًا، فإِخراجه عَنْ بَابِهِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا مِنْ بَابِ إِفساد الأَحكام الشَّرْعِيَّةِ، وَمِنْ هُنَا ظهر عذر السلف الصالح رضي الله عنهم فِي تَرْكِهِمْ سُنَناً قَصْداً؛ لِئَلَّا يَعتقد الجاهلُ أَنها مِنَ الْفَرَائِضِ؛ كالأُضحية وَغَيْرِهَا؛ كَمَا تَقَدَّمَ ذكره (١٢).


(١) في (خ): "اتباع".
(٢) قوله: "أحد من" ليس في (خ) و (م).
(٣) في (ر) و (غ): "لهم بإحسان لهم".
(٤) قوله: "مشروعاً" ليس في (خ).
(٥) في (م): "تثبت".
(٦) في (غ): "برأي".
(٧) من قوله: "كما أن إطلاق" إلى هنا سقط من (خ) و (م).
(٨) قوله: "التي" ليس في (م).
(٩) قوله: "سنة" ليس في (خ).
(١٠) في (ر) و (غ): "الشرعية".
(١١) في (خ): "أو ما" وفي (م): "أو بما".
(١٢) في (خ) و (م): "ذلك" بدل "ذكره".
وترك بعض السلف الأضحية لئلا يعتقد الجاهل أنها من الفرائض لم يتقدم الكلام عنه، ولكنه سيأتي (ص٣٤٦).