للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال لي: حَوِّقْ (١) عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَبا مُحَمَّدٍ؟ قال: خوفاً من أَن يُتّخذ سنة.


=مُفَسَّراً في بعض طرق الحديث، فهذا الذي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما سائر الأمور؛ مثل اتخاذ طعامٍ خارجٍ عن العادة، إما حبوب، وإما غير حبوب، أو تجديد لباس، أو توسيع نفقة، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم، أو فعل عبادة مختصة؛ كصلاة مختصة به، أو قصد الذبح، أو ادّخار لحوم الأضاحي ليطبخ بها الحبوب، أو الاكتحال، أو الاختضاب، أو الاغتسال، أو التصافح، أو التزاور، أو زيارة المساجد والمشاهد ونحو ذلك، فهذا من البدع المنكرة التي لم يسنّها رسول الله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين، لا مالك، ولا الثوري، ولا الليث بن سعد، ولا أبو حنيفة، ولا الأوزاعي، ولا الشافعي، ولا أحمد بن حنبل، ولا إسحاق بن راهويه، ولا أمثال هؤلاء من أئمة المسلمين وعلماء المسلمين، وإن كان بعض المتأخرين من أتباع الأئمة قد كانوا يأمرون ببعض ذلك، ويروون في ذلك أحاديث وآثاراً، ويقولون: إن بعض ذلك صحيح، فهم مخطئون غالطون بلا ريبٍ عند أهل المعرفة بحقائق الأمور، وقد قال حرب الكرماني في "مسائله": سُئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث: من وسَّع على أهله يوم عاشوراء؟ فلم يره شيئاً، وأعلى ما عندهم: أثر يُروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه أنه قال: بلغنا: أنه من وسّع على أهله يوم عاشوراء؛ وسّع الله عليه سائر سنته. قال سفيان بن عيينة: جرّبناه منذ ستّين عاماً فوجدناه صحيحاً. وإبراهيم بن محمد كان من أهل الكوفة، ولم يذكر ممن سمع هذا، ولا عمَّن بلغه، فلعل الذي قال هذا من أهل البدع الذين يبغضون عليّاً وأصحابه، ويريدون أن يقابلوا الرافضة بالكذب مقابلة الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة. وأما قول ابن عيينة: فإنه لا حُجَّة فيه، فإن الله سبحانه أنعم
عليه برزقه، وليس في إنعام الله بذلك ما يدل على أن سبب ذلك كان التوسيع يوم عاشوراء، وقد وسع الله على من هم أفضل الخلق من المهاجرين والأنصار، ولم يكونوا يقصدون أن يوسعوا على أهليهم يوم عاشوراء بخصوصه، وهذا كما أن كثيراً من الناس ينذرون نذراً لحاجة يطلبها، فيقضي الله حاجته، فيظن أن النذر كان السبب اهـ، والله أعلم.
(١) في (خ) و (م): "حرق"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو الصواب. ومعنى "حَوِّقْ": أي: اجعل عليه دائرة؛ كما يتضح من "لسان العرب" (١٠/ ٧١)، كأنه قال: اضرب عليه. وقد اعتمد رشيد رضا رحمه الله على نسخة (خ) فقط، وفيها: "حرق" بالراء، فعلّق عليه بقوله: لعلّها: "حوق" بالواو؛ يقال: حوق عليه الكلام: إذا خلطه وأفسده عليه بحيث لا يفهم، أو لا يقرأ إلا إذا كان مكتوباً. وهو من الحُوَاقة؛ أي: الكناسة التي يختلط بها ما يكنس بعضه ببعض. ويقال: حَاقَ الدار بالمِحْوَقَة: كنسها. ومما حفظته من صبيان المكتب ـ إذ كنا نتعلّم الخطّ ـ: "حَوِّق عليه"؛ أي السطر ـ مثلاً ـ؛ أي:=