للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَهَذِهِ أُمور جَائِزَةٌ أَو مَنْدُوبٌ إِليها، وَلَكِنَّهُمْ كَرِهُوا فِعْلَهَا خَوْفًا مِنَ الْبِدْعَةِ؛ لأَن اتِّخَاذَهَا سُنَّةً إِنما هُوَ بأَن يُوَاظِبَ النَّاسُ عَلَيْهَا مُظْهِرِينَ لَهَا، وَهَذَا شأْن السُّنَّةِ، وإِذا جَرَتْ مَجْرَى السُّنَنِ صَارَتْ مِنَ الْبِدَعِ بِلَا شَكٍّ.

فإِن قيل: فكيف (١) صَارَتْ هَذِهِ الأَشياءُ مِنَ الْبِدَعِ الإِضافية، وَالظَّاهِرُ مِنْهَا أَنها بِدَعٌ حَقِيقِيَّةٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ إِذَا عُمل بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، فَهِيَ حَقِيقِيَّةٌ إِذْ لَمْ يضَعْها صاحبُ السُّنّة؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم على هَذَا الْوَجْهِ (٢)، فَصَارَتْ (٣) مِثْلَ مَا إِذا صَلَّى الظُّهْرَ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَاعْتَقَدَهَا عِبَادَةً، فإِنها بِدْعَةٌ مِنْ غَيْرِ إِشكال، هَذَا إِذَا نَظَرْنَا إِلَيْهَا بمآلِها، وإِذا نَظَرْنَا إِليها أَوّلاً فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ إِلى بِدْعَةٍ أَصلاً؟

فَالْجَوَابُ: أَن السُّؤَالَ صَحِيحٌ، إِلا أَن لِوَضْعِهَا أَولاً نَظَرَيْنِ:

أَحدهما: مِنْ حَيْثُ هِيَ مَشْرُوعَةٌ؛ فَلَا كَلَامَ فِيهَا.

وَالثَّانِي: مِنْ حَيْثُ صَارَتْ كَالسَّبَبِ الْمَوْضُوعِ لِاعْتِقَادِ الْبِدْعَةِ أَو لِلْعَمَلِ بِهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ، فَهِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ (٤) غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ؛ لأَن وَضْعَ الأَسباب لِلشَّارِعِ لَا للمُكَلَّف، وَالشَّارِعُ لَمْ يَضَعِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ قباءَ أَو بَيْتِ الْمَقْدِسِ ـ مَثَلًا ـ سَبَبًا لأَنْ تُتَّخَذَ سُنَّةً، فَوَضْعُ المُكَلَّف لَهَا كَذَلِكَ رأْي غَيْرُ مُسْتَنِدٍ إِلى الشَّرْعِ، فَكَانَ ابْتِدَاعًا.


=رمِّجْه، أو اجعل حوله خطّاً ليُعلم أنه غير مقصود. وهو استعمال عربي. وأما "حرق عليه" بالراء، فلا يظهر له معنى هنا، إلا إذا كانوا استعملوا التحريق بمعنى برد المعدن بالمبرد في حكّ الحروف المكتوبة بِمِبْراةِ القلم، ولم أره" اهـ.
(١) في (خ) و (م): "كيف".
(٢) في (خ): "لم توجه"، وعلق رشيد رضا عليه بقوله: "لعلّه: على هذا الوجه" اهـ.
(٣) في (ر) و (غ): "وصارت".
(٤) في (خ): "البدعة" بدل "الوجه"، ووضع الناسخ عليها ما يدل على استشكاله لها: (سـ)، ولذا لم يثبتها رشيد رضا في طبعته، وعلق على موضعها بقوله: لعل الأصل: "من هذا القبيل"، أو: "من هذا الوجه"، وكتب في الأصل: "فهي من هذه البدعة غير مشروعة"، ووضع فوق كلمة البدعة علامة الترميج. اهـ.