للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنواعاً مِنَ الْكَلَامِ، وَلَيْسَ محلَّ النِّزَاعِ (١)، بَلْ جَعَلَ الأَدلةَ شَامِلَةً لِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَعَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الأَحاديث وَالْآثَارُ وَعَمَلُ النَّاسِ وَكَلَامُ الْعُلَمَاءِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَدْ ظَهَرَ. قَالَ: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنه عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ الإِمام فِي الصَّلَوَاتِ، وأَنه لَمْ يَكُنْ لِيَخُصَّ نَفْسَهُ بِتِلْكَ الدَّعَوَاتِ، إِذ قَدْ جاءَ مِنْ سُنَّتِهِ: "لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَن يَؤُمَّ قَوْمًا إِلا بإِذنهم، وَلَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ؛ فإِن فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ" (٢). فتأَملوا يَا أُولي الأَلباب! فَإِنَّ عَامَّةَ النُّصُوصِ فِيمَا سُمِعَ مِنْ أَدعيته فِي أَدبار الصَّلَوَاتِ إِنما كَانَ دُعَاءً لِنَفْسِهِ، وَهَذَا الْكَلَامُ يَقُولُ فِيهِ: إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَخُصَّ نفسه بالدعاء دون الجماعة، وهذا تناقض، واللهَ (٣) نسأَل التوفيق.


(١) علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: لفظ "محل" منصوب؛ خبر ليس؛ أي: وليس هذا محل النزاع. اهـ.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (٥/ ٢٨٠)، وأبو داود (٩١)، والترمذي (٣٥٧)، وابن ماجه (٩٢٣)، والفسوي في "المعرفة" (٢/ ٣٥٥)، والطبراني في "مسند الشاميين" (١٠٤٢) جميعهم من طريق حبيب بن صالح، عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "لا يحل لامرئ من المسلمين أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قوماً فيختص نفسه بدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يصلي وهو حقن حتى يتخفف". واللفظ لأحمد. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (١٠٩٣) من طريق محمد بن الوليد، عن يزيد بن شريح، به، ثم قال: "أصح ما يروى في هذا الباب هذا الحديث".
وقال الترمذي: "حديث ثوبان حديث حسن. وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن صالح، عن السفر بن نسير، عن يزيد بن شريح، عن أبي أمامة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وروي هذا الحديث عن يزيد بن شريح، عن أبي هريرة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. وكأن حديث يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن، عن ثوبان في هذا: أجود إسناداً وأشهر". وهذا الاختلاف الذي ذكره الترمذي على يزيد بن شريح ذكره الدارقطني أيضاً في "العلل" (١٥٦٨)، ومال ـ كالترمذي ـ إلى ترجيح رواية من رواه عن يزيد، عن أبي حي، عن ثوبان.
وكيفما كان الحديث فهو ضعيف؛ فمداره على يزيد بن شريح الحضرمي، الحمصي، وهو مقبول كما في "التقريب" (٧٧٧٩)، ولم يتابع، ولذا ضعفه الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله في "ضعيف الجامع" (٦٣٣٤).
(٣) قوله: "والله" مكرر في (ر)، وفي (خ): "ومن الله".