للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُحْدَثَاتِ، فَصَارَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَائِدَةً عَلَى مَا هُوَ أَولى مِنْهَا بالإِبطال أَو الإِخلال. وقد مرَّ في النقل (١) أَن بدعة لا تُحْدَثُ (٢) إِلا وَيَمُوتُ مِنَ السُّنَّة مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا.

وأَيضاً فإِن هَذَا الْقِيَاسَ مُخَالِفٌ لأَصل شَرْعِيٍّ، وَهُوَ طَلَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم بالسهولة وَالرِّفْقَ وَالتَّيْسِيرَ وَعَدَمَ التَّشْدِيدِ (٣)، وَزِيَادَةُ وَظِيفَةٍ لَمْ تُشْرَعْ، فَتَظْهَرُ وَيُعْمَلُ بِهَا دَائِمًا فِي مَوَاطِنِ السُّنَنِ، فَهُوَ تَشْدِيدٌ بِلَا شَكٍّ. وإِن سَلَّمْنَا مَا قَالَ، فَقَدْ وَجَدَ كُلُّ مُبْتَدَعٍ مِنَ الْعَامَّةِ السَّبِيلَ إِلى إِحداث الْبِدَعِ، وأَخذ هَذَا الْكَلَامِ بِيَدِهِ حجَّةً وَبُرْهَانًا عَلَى صِحَّةِ مَا يُحْدِثُهُ كَائِنًا مَا كَانَ، وَهُوَ مَرْمًى بَعِيدٌ.

ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ الدعاءِ إِثر الصَّلَاةِ في الجملة، ونقل في ذلك


(١) قوله: "في النقل" سقط من (خ) و (م).
(٢) في (خ) و (م): "أن كل بدعة تحدث".
(٣) في ذلك عدة أحاديث، منها: ما أخرجه البخاري (٢٩٣٥ و٦٠٢٤)، ومسلم (٢١٦٥)، كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مهلاً يا عائشة! إن الله يحب الرفق في الأمر كله"، فقلت: يا رسول الله! أو لم تسمع ما قالوا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قد قلت: وعليكم". وأخرج مسلم برقم (٢٥٩٣): عنها رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم قال: "يا عائشة! إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
وأخرج أيضاً برقم (٢٥٩٤) عنها رضي الله عنها: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". فهذا ما يتعلق بالسهولة والرفق.
وأما ما يتعلق بالتيسير وعدم التشديد:
فقد أخرج البخاري (٣٠٣٨)، ومسلم (١٧٣٣)، كلاهما من حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن، قال: "يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا". وأخرج البخاري أيضاً (٦٩)، ومسلم (١٧٣٤)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا".
ولفظ مسلم: "وسكِّنوا" بدل "وبشروا".