للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ التَّصْرِيحُ بأَن إِحداث الْعِبَادَاتِ جَائِزٌ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِ عُمَرَ، وإِنما كَلَامُ عُمَرَ ـ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْقِيَاسِ عَلَيْهِ ـ فِي مَعْنًى عَادِيٍّ يَخْتَلِفُ فِيهِ مَنَاطُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ فِيمَا تقدم؛ كتضمين الصُّنّاع واشتراط الخلطة (١)، أَو الظِّنّة فِي تَوْجِيهِ الأَيْمَان، دُونَ مُجَرَّدِ الدَّعَاوَى، فَيَقُولُ: إِن الأَولين تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الأَحكام لِصِحَّةِ الأَمانة وَالدِّيَانَةِ وَالْفَضِيلَةِ، فَلَمَّا حَدَثَتْ (٢) أَضدادها اخْتَلَفَ الْمَنَاطُ فَوَجَبَ اخْتِلَافُ الْحُكْمِ، وَهُوَ حكمٌ رادعٌ أَهلَ الْبَاطِلِ عَنْ بَاطِلِهِمْ، فأَثَرُ هَذَا الْمَعْنَى ظَاهِرٌ مُنَاسِبٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ فإِنه عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، أَلا ترى أَن الناس قد (٣) وَقَعَ فِيهِمُ الْفُتُورُ عَنِ الْفَرَائِضِ فَضْلًا عَنِ النوافل ـ وهي ما هي في (٤) الْقِلَّةِ وَالسُّهُولَةِ ـ؟ فَمَا ظَنُّكَ بِهِمْ إِذا زِيدَ عليهم أَشياء أُخَرُ يرغبون فيها، ويُحَرِّضون (٥) عَلَى اسْتِعْمَالِهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَظَائِفَ تَتَكَاثَرُ حَتَّى يؤديَ إِلى أَعظم مِنَ الْكَسَلِ الأَول، أَو إِلى (٦) ترك الجميع، فإِن حدث للعامل بالبدعة هوىً (٧) فِي بِدْعَتِهِ، أَو لِمَنْ شَايَعَهُ فِيهَا، فَلَا بد من كسله عَمَّا (٨) هُوَ أَولى (٩).

فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَن سَاهِرَ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ (١٠) لِتِلْكَ الصَّلَاةِ المُحْدَثة لَا يأْتيه الصُّبْحُ إِلا وَهُوَ نَائِمٌ، أَو فِي غاية الكسل، فيُخِلّ


(١) قوله: "واشتراط الخلطة" سقط من (خ) و (م).
(٢) في (غ): "حصلت".
(٣) في (خ): "إذا".
(٤) في (خ): "من".
(٥) في (خ) و (م): "ويرخصون"، وعلق عليه رشيد رضا بقوله: كذا! والترخيص هنا غير مناسب، ولا يتعدى بعلى، فلعل الأصل: "ويحضون" اهـ.
(٦) في (خ): "وإلى".
(٧) في (خ) و (م): "هو".
(٨) في (خ) و (م): "مما".
(٩) علق رشيد رضا على هذا الموضع بقوله: ظاهرٌ أن في هذه العبارة غلطاً، والمعنى المفهوم من السياق: أن صاحب البدعة إذا كان يعرض له الكسل في بدعته ولمن شايعه عليها، فلا بدّ من عروض الكسل له في غيرها من الأعمال بالأَولى؛ لأن نظرية البدعة أنها ـ بجدَّتها ـ تُحدث نشاطاً بعد الفتور كما تقدم. اهـ.
(١٠) انظر ما تقدم (ص٢٠).