للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وُجُوبِ القَسْم عَلَى الزَّوْجَاتِ (١) وَشِبْهِ ذَلِكَ. فَعَلَى هَذَا المأْخذ: لَا يَصِحُّ لِمَنْ بَعْدَهُ الاقتداءُ بِهِ فِي التبرُّك عَلَى أَحد تِلْكَ الْوُجُوهِ وَنَحْوِهَا، وَمَنِ اقْتَدَى بِهِ كَانَ اقْتِدَاؤُهُ بِدْعَةً، كَمَا كَانَ الاقتداءُ بِهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَربع نسوة بدعة.

والثاني (٢): أَن لَا يَعْتَقِدُوا الِاخْتِصَاصَ، وَلَكِنَّهُمْ تَرَكُوا ذَلِكَ مِنْ بَابِ الذَّرَائِعِ خَوْفًا مِنْ أَن يُجعل ذَلِكَ سُنَّة ـ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي اتِّبَاعِ الْآثَارِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ ـ، أَو لأَن (٣) الْعَامَّةَ لَا تَقْتَصِرُ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدّ، بَلْ تَتَجَاوَزُ فِيهِ الْحُدُودَ، وَتُبَالِغُ (٤) بِجَهْلِهَا فِي الْتِمَاسِ الْبَرَكَةِ؛ حَتَّى يُدَاخِلَهَا للمتبرَّك بِهِ تعظيمٌ يَخْرُجُ (٥) به عن الحَدّ، فربما اعتقدت (٦) فِي المتبرَّك بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَهَذَا التبرُّك هُوَ أَصل الْعِبَادَةِ، ولأَجله قَطَعَ عُمَرُ بن الخطاب (٧) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الشَّجَرَةَ الَّتِي بُويِعَ تَحْتَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٨)، بَلْ هُوَ كَانَ أصلَ عِبَادَةِ الأَوثان فِي الأُمم الْخَالِيَةِ ـ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ أَهل السِّيَرِ (٩) ـ، فَخَافَ عُمَرُ


(١) علق رشيد رضا رحمه الله على هذا الموضع بقوله: "لعل أصله: وعدم وجوب القسم عليه للزوجات".
والدليل على هذا الحكم قوله تعالى في سورة الأحزاب (٥١): {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ}.
قال القرطبي في "تفسيره" (١٤/ ٢١٤): "واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، وأصح ما قيل فيها: التوسعة على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِ القسم، فكان لا يجب عليه القسم بين زوجاته، وهذا القول هو الذي يناسب ما مضى، وهو الذي ثبت معناه في "الصحيح" ... ، ثم استدل بحديث عائشة رضي الله عنها الذي أخرجه البخاري (٤٧٨٨)، ومسلم (١٤٦٤)، قالت: كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأقول: أتهب المرأة نفسها؟ فلما أنزل الله تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ}؛ قلت ما أرى ربك إلا يسارع في هواك.
(٢) في (خ) و (م) و (ت): "الثاني".
(٣) في (غ) يشبه أن تكون: "أو كأن".
(٤) في (غ) و (ر): "وتبلغ".
(٥) في (م): "تخرج".
(٦) في (خ) و (م) و (ت): "اعتقد".
(٧) قوله: "ابن الخطاب" من (غ) و (ر) فقط.
(٨) تقدم تخريجه (ص٢٤٨) من هذا المجلد.
(٩) أخرج البخاري (٤٩٢٠) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بَعْدُ. أما ودّ فكانت لكَلْب بدُومة الجَنْدل، وأما سُوَاع فكانت لهُذيل، وأما يَغُوث فكانت لمُراد، ثم لبني غُطَيف بالجُرْف عند سبأ، وأما=