للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَدْ تبيَّن هَذَا الْمَعْنَى بِحَدِيثٍ رَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّة، عَنِ ابْنِ عَوْن؛ قَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى إِبراهيم فَقَالَ: يَا أَبا عِمْرَانَ! ادْعُ اللَّهَ أَن يَشْفِيَنِي. فِكْرَهَ ذَلِكَ إِبراهيم وقَطَّبَ (١)، وَقَالَ: جاءَ رَجُلٌ إِلى حُذَيْفَةَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَن يَغْفِرَ لِي. فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ! فتنحَّى الرَّجُلُ فَجَلَسَ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ قَالَ: فأَدخلك اللَّهُ مُدْخَلَ حُذَيْفَةَ، أَقد رَضِيتَ الْآنَ؟ يأْتي أَحدكم الرَّجُلَ كأَنه قد أَحْصَى شأْنه، كأنه (٢). ثُمَّ ذَكَرَ إِبراهيم السُّنَّة، فرغَّب فِيهَا، وَذَكَرَ مَا أَحدث النَّاسُ؛ فَكَرِهَهُ (٣).

وَرَوَى مَنْصُورٌ، عَنْ إِبراهيم قَالَ: كَانُوا يَجْتَمِعُونَ فَيَتَذَاكَرُونَ فَلَا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: اسْتَغْفِرْ لَنَا (٤).

فتأَملوا يَا أُولي الأَلباب ماذا كَرِهَ (٥) العلماءُ مِنْ هَذِهِ الضَّمَائِم (٦) المُنْضَمَّة إِلى الدعاءِ، حَتَّى كَرِهُوا الدعاءَ إِذا انْضَمَّ إِليه مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمة. فَقِسْ بِعَقْلِكَ (٧) مَاذَا كانوا يقولون في دعائنا اليوم بآثار الصلوات (٨)، بَلْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُوَاطِنِ، وَانْظُرُوا إِلى إشارة (٩) إِبراهيم بترغيبه (١٠) فِي السُّنَّةِ وَكَرَاهِيَةِ (١١) مَا أَحدث النَّاسُ؛ بَعْدَ تَقْرِيرِ مَا تَقَدَّمَ.

وَهَذِهِ الْآثَارُ مِنْ تَخْرِيجِ الطبري في "تهذيب (١٢) الآثار" (١٣) له.


(١) في (غ): "ونطق". ومعنى "قَطَّبَ": أي زَوَى ما بين عينيه، وعَبَس من الغضب. "لسان العرب" (١/ ٦٨٠).
(٢) قوله: "كأنه" سقط من (خ) و (ت)، وهو مكرر في (ر).
(٣) أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٦/ ٢٧٦) من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري، عن عبد الله بن عون، به.
وإسناده صحيح.
وإبراهيم هذا هو: النخعي.
(٤) لم أقف عليه، والمصنف أخذه عن "تهذيب الآثار" للطبري كما سيأتي.
(٥) في (ت) و (خ) و (م)؛ "ما ذكره".
(٦) في (خ): "الاضام"، وفي (ت): "العظائم".
(٧) في (غ) و (ر): "بفضلك".
(٨) في (خ) و (ت) و (م): "الصلاة".
(٩) في (خ) و (م): "استبارة".
(١٠) في (خ): "ترغيبه".
(١١) في (خ): "وكراهيته".
(١٢) في (م): "تهديث".
(١٣) في القسم المفقود منه فيما يظهر.