للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكل (١) بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ (٢) " (٣). وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ بِدْعَةٍ.

فَيَقَعُ السُّؤَالُ: هَلْ لَهَا حكمٌ وَاحِدٌ أَم لَا (٤)؟

فَنَقُولُ: ثَبَتَ في الأُصول أَن الأَحكام الشرعية خمسة، يخرج عَنْهَا الثَّلَاثَةُ، فَيَبْقَى حُكْمُ الْكَرَاهِيَةِ وَحُكْمُ التَّحْرِيمِ، فَاقْتَضَى النَّظَرُ انْقِسَامَ الْبِدَعِ إِلى الْقِسْمَيْنِ؛ فَمِنْهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَمِنْهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَذَلِكَ أَنها داخلة تحت جنس المنهيَّات؛ والمنهيات (٥) لا تعدو الكراهة أَو التحريم، فَالْبِدَعُ كَذَلِكَ. هَذَا وَجْهٌ.

وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَن (٦) البدع إِذا تُؤُمِّل معقولُها وجدت رتبها مُتَفَاوِتَةً.

فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ؛ كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَبَّه عَلَيْهَا الْقُرْآنُ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} (٧) الآية، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (٨) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ} (٩)، وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ اتَّخَذُوا الدِّينَ ذَرِيعَةً لِحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ (١٠)، وَمَا أَشبه ذَلِكَ مِمَّا لا يُشَكّ أَنه كُفْرٌ صُرَاحٌ.

وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ بِكُفْرٍ، أَو يُخْتَلَفُ (١١): هَلْ هِيَ كُفْرٌ أَم لَا! كَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَمَنْ (١٢) أَشبههم مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ.


(١) قوله "محدثة بدعة وكل" سقط من (خ) و (م) و (ت).
(٢) قوله: "وكل ضلالة في النار" سقط من (غ) و (ر).
(٣) سبق تخريجه (ص١٠٨) من المجلد الأول، و (ص٣١٨) من هذا المجلد.
(٤) في (ت): "أو لا".
(٥) قوله: "والمنهيات" سقط من (خ) و (م) و (ت)، ولذا أشكلت العبارة على رشيد رضا فعلّق على هذا الموضع بقوله: لعله سقط من هنا كلمة: "وهي". اهـ.
(٦) في (ت): "وهو أن".
(٧) سورة الأنعام: الآية (١٣٦).
(٨) سورة الأنعام: الآية (١٣٩).
(٩) سورة المائدة: الآية (١٠٣).
(١٠) كما في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ *} [الآية: (٢) من سورة المنافقون].
(١١) في (ت): "أو يختلف فيها".
(١٢) في (ر) و (غ): "وما".