للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتأَمّل (١) كَيْفَ جَعَلَ الْقِيَامَ [فِي الشَّمْسِ] (٢)، وتَرْكَ الْكَلَامَ، ونَذْرَ المَشْيِ إِلى الشَّامِ أَو مِصْرَ معاصيَ، حتى فسر بها (٣) الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ، مَعَ أَنها فِي أَنفسها أَشياء مُبَاحَاتٍ (٤)، لَكِنَّهُ لَمَّا أَجراها مَجْرَى مَا يُتَشَرَّعُ (٥) به، ويُدانُ اللهُ بِهِ؛ صَارَتْ عِنْدَ مالكٍ معاصيَ لِلَّهِ، وكُلِّيَّةُ قَوْلِهِ: "كلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" شَاهِدَةٌ لِهَذَا الْمَعْنَى، وَالْجَمِيعُ يَقْتَضِي التأْثيم وَالتَّهْدِيدَ وَالْوَعِيدَ، وَهِيَ خَاصِّيَّةُ المُحَرَّم.

وَقَدْ مرَّ (٦) مَا رَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّار عن مالك (٧) وأَتاه (٨) رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبا عَبْدِ اللَّهِ! من أَين أُحْرِم؟ قال: من ذي الحليفة؛ مِنْ حَيْثُ أَحرم رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: إِني أُريد أَن أُحْرِمَ من المسجد، فقال: لا تفعل. قال: إِني أُريد أَن أحرم من المسجد من (٩) عند الْقَبْرِ (١٠): قَالَ: لَا تَفْعَلْ؛ فإِني أَخشى عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ. قَالَ: وأَي فِتْنَةٍ فِي هَذَا؟ إِنما هِيَ أَميال أَزيدها، قَالَ: وأَي فِتْنَةٍ أَعظم من أَن ترى أَنك سبقت إِلى فضيلةٍ قَصَّرَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ إِني سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١١).

فأَنت تَرَى أَنه خَشِيَ عَلَيْهِ الْفِتْنَةَ فِي الإِحرام مِنْ مَوْضِعٍ فَاضِلٍ لَا بُقْعَةَ أَشرف منه (١٢)،


(١) في (غ) و (ر): "تأمل".
(٢) في جميع النسخ: "للشمس".
(٣) في (خ) و (م): "فيها".
(٤) في (غ) و (ر): "أنفسنا أشياء مباحة".
(٥) في (م): "ما يشرع".
(٦) في الجزء الأول (ص٢٣٠ ـ ٢٣١)، وهناك نقله عن أبي بكر ابن العربي، والنص عند ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" (٣/ ١٤١٢ ـ ١٤١٣)؛ حيث ساقه بسنده عن الزبير بن بكار؛ قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل ... ، فذكر القصة.
وأخرجها ابن بطة في "الإبانة" (١/ ٢٦١ ـ ٢٦٢ رقم ٩٨) من طريق حميد بن الأسود؛ قال: قال رجل لمالك بن أنس ... ، فذكرها.
(٧) قوله: "عن مالك" سقط من (خ) و (م).
(٨) في (ت): "أنه أتاه".
(٩) قوله: "من" ليس في (غ) و (ر).
(١٠) في (ت): "من عند القبر الشريف".
(١١) الآية: (٦٣) من سورة النور.
(١٢) قول المصنف هذا مما لا دليل عليه، بل الدليل يعارضه، يوضح ذلك ويُجَلّيه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (٢٧/ ٣٧) حين سئل عن التربة التي دُفِن فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم: هل هي أفضل من المسجد الحرام؟ فأجاب بقوله: "وأما التربة التي=