للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهُوَ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَوْضِعُ قَبْرِهِ (١)، لَكِنَّهُ أَبعدُ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَهُوَ زيادةٌ فِي التَّعَبِ قَصْدًا لِرِضَا اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَبَيَّنَ أَن مَا اسْتَسْهَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الأَمر اليسير في بادي الرأْي يُخَافُ عَلَى صَاحِبِهِ الْفِتْنَةَ فِي الدُّنْيَا، وَالْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ (٢). فَكُلُّ مَا كَانَ مِثْلَ (٣) ذَلِكَ دَاخِلٌ ـ عِنْدَ مَالِكٍ ـ فِي مَعْنَى الْآيَةِ؛ فأَين كَرَاهِيَةُ (٤) التَّنْزِيهِ فِي هَذِهِ الأُمور الَّتِي يَظْهَرُ بأَول النَّظَرِ أَنها سَهْلَةٌ وَيَسِيرَةٌ (٥)؟

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَخبرني ابْنُ الْمَاجِشُونِ: أَنه سَمِعَ مَالِكًا يَقُولُ: التَّثْوِيبُ (٦) ضَلَالٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ أَحدث فِي هَذِهِ الأُمة شَيْئًا (٧) لم يكن


=دُفن فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم فلا أعلم أحداً من الناس قال إنها أفضل من المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو المسجد الأقصى؛ إلا القاضي عياض، فذكر ذلك إجماعاً، وهو قول لم يسبقه إليه أحد فيما علمناه، ولا حجة عليه، بل بدن النبي صلّى الله عليه وسلّم أفضل من المساجد، وأما ما فيه خُلِقَ، أو ما فيه دُفِنَ فلا يلزم ـ إذا كان هو أفضل ـ أن يكون ما منه خُلِق أفضل، فإن أحداً لا يقول: إن بدن عبد الله أبيه أفضل من أبدان الأنبياء؛ فإن الله يخرج الحي من الميت، والميت من الحي، ونوح نبي كريم، وابنه الْمُغْرَقُ كافر، وإبراهيم خليل الرحمن، وأبوه آزر كافر. والنصوص الدالّة على تفضيل المساجد مطلقة لم يُسْتَثْنَ منها قبور الأنبياء، ولا قبور الصالحين. ولو كان ما ذكره حقَّاً؛ لكان مَدْفَنُ كل نبي، بل وكل صالح أفضل من المساجد التي هي بيوت الله، فيكون بيوت المخلوقين أفضل من بيوت الخالق التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وهذا قول مبتدع في الدين، مخالف لأصول الإسلام". وسئل أيضاً في نفس الموضع عن رجلين تجادلا، فقال أحدهما: إن تربة محمد النبي صلّى الله عليه وسلّم أفضل من السموات والأرض، وقال الآخر: الكعبة أفضل، فمع من الصواب؟ فأجاب: "الحمد لله، أما نفس محمد صلّى الله عليه وسلّم فما خلق الله خلقاً أكرم عليه منه، وأما نفس التراب فليس هو أفضل من الكعبة البيت الحرام، بل الكعبة أفضل منه، ولا يعرف أحد من العلماء فضّل تراب القبر على الكعبة إلا القاضي عياض، ولم يسبقه أحد إليه، ولا وافقه أحد عليه، والله أعلم".اهـ.
(١) في (ت): "قبره الشريف".
(٢) في (خ) و (م): "في الآية".
(٣) في (غ) و (ر): "بمثل".
(٤) في (ت): "فإن كراهة".
(٥) في (ت): "سهلة يسيرة".
(٦) سيأتي معنى التثويب.
(٧) في (ت): "ومن أحدث شيئاً في هذه الأمة".