للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} (١)، وحَكى مَالِكٌ عمَّن تقدَّمه هَذَا الْمَعْنَى (٢).

فإِذا وُجِدَتْ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْبِدْعَةِ أَو غَيْرِهَا "أَكره هَذَا، وَلَا أُحِبُّ هَذَا، وَهَذَا مَكْرُوهٌ" وَمَا أَشبه ذَلِكَ، فَلَا تَقْطَعَنَّ عَلَى أَنهم يُرِيدُونَ التَّنْزِيهَ فَقَطْ فإِنه إِذا دَلَّ الدَّلِيلُ فِي (٣) جَمِيعِ الْبِدَعِ عَلَى أَنها (٤) ضَلَالَةٌ فَمِنْ أَين يُعَدُّ فِيهَا مَا هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ (٥)؟ اللَّهُمَّ إِلا أَن يُطْلِقُوا لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى مَا يَكُونُ لَهُ أَصل فِي الشَّرْعِ، وَلَكِنْ يُعَارِضُهُ أَمر آخَرُ مُعْتَبَرٌ فِي الشَّرْعِ فَيُكْرَهُ لأَجله، لَا لأَنه بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ؛ عَلَى تفصيل يذكر في موضعه إن شاء الله (٦).

وأَما ثَالِثًا: فإِنا إِذا تأَملنا حَقِيقَةَ الْبِدْعَةِ ـ دَقَّتْ أَوجَلَّت ـ وَجَدْنَاهَا (٧) مُخَالِفَةً لِلْمَكْرُوهِ مِنَ الْمَنْهِيَّاتِ الْمُخَالَفَةَ التَّامَّةَ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ أَوجه:

أَحدها: أَن مُرْتَكِبَ الْمَكْرُوهِ إِنما قَصْدُهُ نَيْلُ غَرَضِهِ وَشَهْوَتِهِ الْعَاجِلَةِ متَّكلاً عَلَى الْعَفْوِ اللَّازِمِ فِيهِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ الثَّابِتِ فِي الشَّرِيعَةِ، فَهُوَ إِلى الطَّمَعِ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ أَقرب.

وأَيضاً: فَلَيْسَ عَقَدُهُ الْإِيمَانِيُّ بِمُتَزَحْزِحٍ، لأَنه يَعْتَقِدُ الْمَكْرُوهَ مَكْرُوهًا كَمَا يَعْتَقِدُ الْحَرَامَ حَرَامًا وإِن ارْتَكَبَهُ، فَهُوَ يَخَافُ اللَّهَ وَيَرْجُوهُ، وَالْخَوْفُ والرجاءُ شُعْبَتَانِ مِنْ شُعَبِ الإِيمان.

فَكَذَلِكَ مُرْتَكِبُ الْمَكْرُوهِ يَرَى أَن التُّرْكَ أَولى في حقه من الفعل، وأَن


(١) سورة النحل: الآية (١١٦).
(٢) قال ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (٢/ ١٠٧٥ رقم ٢٠٩١): "وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب: أنهما سمعا مالك بن أنس يقول: لم يكن من أمر الناس ولا مَنْ مضى من سلفنا، ولا أدري أحداً أقتدي به يقول في شيءٍ: هذا حلال، وهذا حرام، ما كانوا يجترؤون على ذلك، وإنما كانوا يقولون: نكره هذا ... " إلخ. ونقل نحوه القرطبي في "تفسيره" (١٠/ ١٩٦)، وابن رجب في "جامع العلوم" (ص٥٢٥).
(٣) في (ت): "على أن" بدل "في".
(٤) قوله: "على أنها" ليس في (ت).
(٥) في (ت): "كراهة تنزيه".
(٦) قوله: "إن شاء الله" من (ر) و (غ) فقط.
(٧) في (خ): "وجدنا".