للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ (١): جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ أَن يُرَوِّحَ (٢) الرَّجُلُ قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، قَالَهُ فِي "الْمُدَوَّنَةِ" (٣)، وإِنما كَرِهَ أَن يُقْرِنَهُمَا حَتَّى لَا يَعْتَمِدَ عَلَى إِحداهما دُونَ الأُخرى، لأَن ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ حُدُودِ الصَّلَاةِ، إِذ لَمْ يأْت ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَنْ أَحد مِنَ السَّلَفِ، وَالصَّحَابَةِ المَرْضِيِّين الكرام (٤)، وَهُوَ مِنْ مُحْدَثَاتِ الأُمور. انْتَهَى.

فَمِثْلُ هَذَا إِن كَانَ يَعُدُّه فاعلُه مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ ـ وإِن لم يأْت به أَثر ـ أَفَيُقَال (٥) في مثله: إِنه من كبائر الْبِدَعِ، كَمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْخَامِسَةِ في الظهر أو نحوها؟! (٦) بَلْ إِنما يُعَدّ مِثْلُهُ مِنْ صَغَائِرِ الْبِدَعِ؛ إِن سَلَّمْنَا أَن لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ مَا لا يُراد (٧) بِهِ (٨) التَّنْزِيهُ، وإِذا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ فِي قَاعِدَةِ الدِّينِ، فَمِثْلُهُ يُتَصَوَّرُ فِي سَائِرِ الْبِدَعِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمَرَاتِبِ، فَالصَّغَائِرُ فِي الْبِدَعِ ثَابِتَةٌ؛ كَمَا أَنها فِي الْمَعَاصِي ثَابِتَةٌ.

وَالثَّانِي: أَن الْبِدَعَ تَنْقَسِمُ إِلَى مَا هِيَ كُلِّيَّةٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وإِلى جُزْئِيَّةٍ، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَن يَكُونَ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ بِسَبَبِ الْبِدْعَةِ كُلِّيًّا فِي الشَّرِيعَةِ، كَبِدْعَةِ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّينَ، وَبِدْعَةِ إِنكار الأَخبار السُّنِّيَّةِ اقْتِصَارًا عَلَى الْقُرْآنِ، وَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ فِي قَوْلِهِمْ: لَا حُكْمَ إِلا لِلَّهِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْبِدَعِ الَّتِي لَا تَخُصُّ فَرْعًا مِنْ فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ دُونَ فَرْعٍ، بَلْ تجدها تَنْتَظِمُ مَا لَا يَنْحَصِرُ مِنَ الْفُرُوعِ الْجُزْئِيَّةِ، أَو يَكُونُ الْخَلَلُ الْوَاقِعُ جُزْئِيًّا إِنَّمَا يأْتي فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ دُونَ بَعْضٍ، كَبِدْعَةِ التَّثْوِيبِ بِالصَّلَاةِ الَّذِي قَالَ فِيهِ مَالِكٌ: التَّثْوِيبُ ضَلَالٌ (٩)، وبدعة الأَذان والإِقامة في


(١) في الموضع السابق من "البيان والتحصيل".
(٢) في (ر) و (غ): "يتروح".
(٣) (١/ ١٠٧).
(٤) قوله: "الكرام" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٥) في (خ) و (ت): "فيقال".
(٦) في (خ): "ونحوها".
(٧) (خ) و (م): "ما يراد"، وفي (ت): "مما يراد".
(٨) في (ر) و (غ): "بها".
(٩) انظر: "البيان والتحصيل" (١/ ٤٣٥)، و"مواهب الجليل" (١/ ٤٣١) وتقدم (ص٣٨٣)، وسيأتي (ص٩ و٤١٠).