للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى عُمُومِ الذَّمِّ فِيهَا. وَظَهَرَ أَنها مَعَ الْمَعَاصِي لَا تَنْقَسِمُ ذَلِكَ الِانْقِسَامَ، بَلْ إِنما يَنْقَسِمُ مَا سِوَاهَا مِنَ الْمَعَاصِي، وَاعْتَبِرْ بِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْبَابِ الثَّانِي يَتَبَيَّنْ لَكَ عدم الفرق فيها. وأَقرب (١) عِبَارَةً تُنَاسِبُ هَذَا التَّقْرِيرَ أَن يُقَالَ: كُلُّ بدعةٍ كبيرةٌ عظيمةٌ (٢)، بالإِضافة (٣) إِلى مُجَاوَزَةِ حُدُودِ اللَّهِ بِالتَّشْرِيعِ، إِلا أَنها وإِن عَظُمَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فإِذا نُسِبَ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ تَفَاوَتَتْ رُتَبُها (٤)، فَيَكُونُ مِنْهَا صِغَارٌ وَكِبَارٌ (٥)، إِما بِاعْتِبَارِ أَن بَعْضَهَا أَشد عِقَابًا مِنْ بَعْضٍ، فَالْأَشَدُّ عِقَابًا أَكبر مِمَّا دُونَهُ، وإِما بِاعْتِبَارِ فَوْتِ الْمَطْلُوبِ فِي الْمَفْسَدَةِ، فَكَمَا انْقَسَمَتِ الطَّاعَةُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ إِلى الْفَاضِلِ والأَفضل، لِانْقِسَامِ مَصَالِحِهَا إِلى الْكَامِلِ، والأَكمل، انْقَسَمَتِ الْبِدَعُ لِانْقِسَامِ مَفَاسِدِهَا إِلى الرَّذِلِ والأَرْذَلِ، والصِّغَرِ والكِبَرِ، مِنْ بَابِ النِّسَبِ والإِضافات، فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ كَبِيرًا فِي نَفْسِهِ، لَكِنَّهُ صَغِيرٌ (٦) بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكبر مِنْهُ، كما يكون كبيراً بالنسبة إلى ما هو (٧) أصغر مِنْهُ (٨).

وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ سَبَقَ إِليها إِمام الْحَرَمَيْنِ (٩) لَكِنْ فِي انْقِسَامِ الْمَعَاصِي إِلى الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَقَالَ: الْمَرَضِيُّ عِنْدَنَا أَن كُلَّ ذَنَبٍ كبيرة وَعَظِيمٌ بالإِضافة إِلى مُخَالَفَةِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: مَعْصِيَةُ اللَّهِ أَكبر مِنْ مَعْصِيَةِ الْعِبَادِ قَوْلًا مُطْلَقًا، إِلا (١٠) أَنها وإِن عَظُمَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فإِذا نُسِبَ بَعْضُهَا إِلى بَعْضٍ تَفَاوَتَتْ رُتَبُهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنًى مَا تَقَدَّمَ. وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَ، وإِن كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي النَّظَرِ وَقَعَتِ الإِشارة إِليه فِي كتاب "الموافقات" (١١).


(١) في (خ): "وأقرب منها".
(٢) في (ر) و (غ): "وعظيمة".
(٣) في (ت): "بالنسبة" بدل "بالإضافة".
(٤) في (م) و (ت) و (خ): "رتبتها".
(٥) في (خ) و (م) و (ت): "صغاراً وكباراً".
(٦) في (ت) و (خ) و (م): "صغيراً".
(٧) من قوله: "أكبر منه" إلى هنا سقط من (م).
(٨) من قوله: "كما يكون كبيراً" إلى هنا سقط من (خ) و (ت).
(٩) أي: الجويني في كتاب "الإرشاد" (ص٣٢٨)، والمصنف نقلها بتصرف، ونقلها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" عن الجويني (١٠/ ٤٠٩)، وأطال في ذكر الخلاف في ضابط الكبيرة، فانظره إن شئت.
(١٠) في (م): "إلى".
(١١) راجع الموافقات (٣/ ٥٣٧).