للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَخف، وَالْخِفَّةُ هَلْ تَنْتَهِي إِلى حَدٍّ تُعَدُّ الْبِدْعَةُ فِيهِ مِنْ قَبِيلِ اللَّمَم؟ هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ ظَهَرَ مَعْنَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ فِي الْمَعَاصِي غَيْرِ الْبِدَعِ.

وأَما فِي الْبِدَعِ فَثَبَتَ (١) لَهَا أَمران:

أَحدهما: أَنها مُضَادَّةٌ لِلشَّارِعِ (٢) وَمُرَاغَمَةٌ لَهُ، حَيْثُ نَصَّبَ الْمُبْتَدِعُ نَفْسَهُ نَصْبَ الْمُسْتَدْرِكِ عَلَى الشَّرِيعَةِ، لَا نَصْبَ الْمُكْتَفِي بِمَا حُدَّ لَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ـ وإِن قَلَّت ـ تشريعٌ زَائِدٌ أَو نَاقِصٌ، أَو تَغْيِيرٌ للأَصل الصَّحِيحِ، وكلُّ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ عَلَى الِانْفِرَادِ، وَقَدْ يَكُونُ مُلْحَقاً بِمَا هُوَ مَشْرُوعٌ، فَيَكُونُ قَادِحًا فِي الْمَشْرُوعِ. وَلَوْ فَعَلَ أَحد مِثْلَ هذا في نفس (٣) الشريعة عامداً لكفر، إِذِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ فِيهَا أَوِ التَّغْيِيرُ ـ قلَّ أَو كَثُر ـ كُفْرٌ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَلَّ مِنْهُ وَمَا كَثُرَ (٤)، فَمَنْ فَعَلَ مِثْلِ ذَلِكَ بتأْويل فَاسِدٍ، أَو برأْي (٥) غالطٍ رَآهُ، وأَلْحَقَه (٦) بالمشروع، إِذا لم نُكَفِّرْه (٧)؛ لَمْ يَكُنْ فِي حُكْمِهِ فَرْقٌ بَيْنَ مَا قَلّ مِنْهُ (٨) وَمَا كَثُرَ، لأَن الجميعَ جِنَاية لا تحتملها (٩) الشَّرِيعَةُ بقليلٍ وَلَا بكثيرٍ.

وَيُعَضِّدُ هَذَا النَّظَرَ: عُمُومُ الأَدلة فِي ذَمِّ الْبِدَعِ مِنْ غَيْرِ استثناء، فلا فرق إذاً (١٠) بَيْنَ بِدْعَةٍ جُزْئِيَّةٍ، وَبِدَعَةٍ كُلِّيَّةٍ، وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الأَول وَالثَّانِي.

وأَما الثَّالِثُ: فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لأَن قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (١١)، وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ السلف الصالح رضي الله عنهم (١٢)؛ يدل


(١) في (ت): "فظهر" بدل "فثبت".
(٢) في (م): "للشارعة".
(٣) في (ر) و (غ): "تفسير".
(٤) في (ت): "ما قلّ منه أو كثر".
(٥) في (ت): "أو رأي".
(٦) في (خ) و (م) و (ت): "أو ألحقه".
(٧) في (خ): "تكفره"، وفي (ت): "يكفر".
(٨) قوله: "منه" ليس في (ر) و (غ).
(٩) في (ت) و (م) و (خ): "لا تحملها".
(١٠) في (خ) و (م) و (ت): "فالفرق" بدل قوله: "فلا فرق إذاً".
(١١) تقدم تخريجه صفحة، (١٠٨) من المجلد الأول، و (ص٣١٨) من هذا المجلد.
(١٢) قوله: "الصالح رضي الله عنهم" من (ر) و (غ) فقط.