للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما الاعتبار (١): فإِن أَهل الْبِدَعِ كَانَ مِنْ شأْنهم الْقِيَامُ بِالنَّكِيرِ عَلَى أَهل السُّنَّةِ إِن كَانَ لَهُمْ عُصْبَة، أَو لَصَقُوا بِسُلْطَانٍ تَجْرِي أَحكامه فِي النَّاسِ، وَتَنْفُذُ أَوامره فِي الأَقطار، وَمَنْ طَالَعَ سَيْرَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى.

وأَما النَّقْلُ: فَمَا ذَكَرَهُ السَّلَفُ مِنْ أَن الْبِدْعَةَ إِذا أُحدثت، لَا تَزِيدُ إِلا مُضِيًّا، وَلَيْسَتْ (٢) كَذَلِكَ الْمَعَاصِي، فَقَدْ يَتُوبُ صَاحِبُهَا ويُنيب إِلى اللَّهِ، بَلْ قَدْ جاءَ مَا يَشُدّ (٣) ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الفِرَق، حَيْثُ جاءَ فِي بَعْضُ الرِّوَايَاتِ: "تَتَجَارَى (٤) بِهِمْ تِلْكَ الأَهواءُ كَمَا يَتَجَارَى (٥) الكَلَبُ بِصَاحِبِهِ" (٦). وَمِنْ هُنَا جَزَمَ السَّلَفُ بأَن الْمُبْتَدِعَ لَا تَوْبَةَ لَهُ مِنْهَا حسبما تقدم.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَن لَا يَدْعُوَ (٧) إِلَيْهَا، فإِن الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً بالإِضافة، ثُمَّ يَدْعُو مبتدعها إِلى القول بها، والعمل بمقتضاها (٨)، فَيَكُونُ إِثم ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِ؛ فإِنه الَّذِي (٩) أَثارها، وبسببه كَثُرَ (١٠) وقوعُها والعملُ بِهَا؛ فإِن الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ (١١) قَدْ أَثبت (١٢) أَن كُلَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً؛ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، لَا يُنْقِص ذَلِكَ مِنْ أَوزارهم شَيْئًا، وَالصَّغِيرَةُ مع الكبيرة إِنما تفاوتهما (١٣) بِحَسَبِ كَثْرَةِ الإِثم وقِلَّته، فَرُبَّمَا تُسَاوِي الصغيرةُ ـ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ـ الكبيرةَ، أَو تُرْبي عَلَيْهَا.

فَمِنْ حَقِّ الْمُبْتَدِعِ إِذا ابْتُلِيَ بِالْبِدْعَةِ أَن يقتصر بها (١٤) عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَحْمِلَ مَعَ وِزْرِهِ وَزَرَ غيره.


(١) قوله: "أما الاعتبار" ليس في جميع النسخ، سوى (ت)، فإنه ملحق بهامشها، وهو المتفق مع السياق.
(٢) في (ر) و (غ): "ليس".
(٣) في (ت): "ما يؤيد" بدل "ما يشد".
(٤) في (ر) و (غ): "تتجازى".
(٥) في (غ): "يتجازى".
(٦) انظر: صفحة (٣٩٠) من هذا الجزء.
(٧) في (ر) و (غ): "يدعى".
(٨) في (خ) و (م) و (ت): "على مقتضاها".
(٩) قوله: "الذي" ليس في (غ) و (ر).
(١٠) في (خ) و (م): "ونسبة كثرة"، وفي (ت): "وسبب كثرة".
(١١) أخرجه مسلم في "صحيحه" (١٠١٧).
(١٢) في (ر) و (غ): "أنبأ" بدل "أثبت".
(١٣) في (م) و (خ): "تفاوتها".
(١٤) قوله: "بها" ليس في (خ) و (م) و (ت).