للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي هذا الوجه قد يتعذّر الخروج عنه (١)؛ فإِن الْمَعْصِيَةَ فِيمَا بَيْنُ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ يَرْجُو فِيهَا مِنَ التَّوْبَةِ وَالْغُفْرَانِ مَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ مع الدعاءِ إِليها، وقد مَرّ من ذلك (٢) فِي بَابِ ذَمِّ الْبِدَعِ، وَبَاقِي الْكَلَامِ فِي المسأَلة سيأْتى إِن شاء الله.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَن لَا تَفْعَلُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ مُجْتَمَعَاتُ النَّاسِ، أَو الْمَوَاضِعُ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا السُّنَنُ، وَتُظْهَرُ فِيهَا أَعلام الشَّرِيعَةِ؛ فأَما إِظهارها فِي الْمُجْتَمَعَاتِ مِمَّنْ يُقْتَدى بِهِ، أَو ممن يُحَسَّن (٣) بِهِ الظَّنَّ؛ فَذَلِكَ مِنْ أَضرّ الأَشياءِ على سنة الإِسلام، فإِنها لا تعدو أحد (٤) أَمرين: إِما أَن يُقْتَدى بِصَاحِبِهَا فِيهَا، فإِن الْعَوَامَّ أَتباع كلِّ ناعِقٍ؛ لَا سِيَّمَا الْبِدَعَ الَّتِي وُكِّل الشَّيْطَانُ بِتَحْسِينِهَا (٥) لِلنَّاسِ، وَالَّتِي لِلنُّفُوسِ فيها هَوًى (٦)، وإِذا اقتُدي بِصَاحِبِ الْبِدْعَةِ الصَّغِيرَةِ كَبُرت بِالنِّسْبَةِ إِليه، لأَن كُلَّ مَنْ دَعَا إِلى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، فَعَلَى حَسَبِ (٧) كَثْرَةِ الأَتباع يَعْظُمُ عَلَيْهِ الوِزْرُ.

وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي صَغَائِرَ الْمَعَاصِي، فإِن الْعَالِمَ مَثَلًا إِذا أَظهر الْمَعْصِيَةَ ـ وإِن صَغُرَتْ ـ؛ سَهُلَ عَلَى النَّاسِ ارْتِكَابُهَا، فإِن الْجَاهِلَ يَقُولُ: لَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ كَمَا قَالَ (٨) مِنْ أَنه ذَنْبٌ، لَمْ يَرْتَكِبْهُ، وإِنما ارْتَكَبَهُ لأَمر عَلِمَه دُونَنَا، فَكَذَلِكَ الْبِدْعَةُ إِذا أَظهرها العالم، اقتُدِيَ (٩) به (١٠) فيها لا محالة (١١)؛ فإِنها مَظِنَّة (١٢) التقرُّب فِي ظَنِّ الْجَاهِلِ؛ لأَن الْعَالِمَ يَفْعَلُهَا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ، بَلِ الْبِدْعَةُ أَشدّ فِي هَذَا الْمَعْنَى؛ إِذ الذَّنْبُ قَدْ لَا يُتّبعُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْبِدْعَةِ، فَلَا يَتَحَاشَى أَحد عَنِ اتِّبَاعِهِ، إِلا مَنْ كَانَ عَالِمًا بأَنها بدعة


(١) قوله: "عنه" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٢) قوله: "من ذلك" من (ر) و (غ) فقط.
(٣) قوله: "يحسن" سقط من (خ) و (م) و (ت)، وعلق رشيد رضا على موضعه بقوله: لعل الأصل: "بمن يحسن به الظن".اهـ.
(٤) قوله: "أحد" من (ر) و (غ) فقط.
(٥) في (ر) و (غ): "لتحسينها".
(٦) في طبعة رشيد رضا: "للنفوس في تحسينها هوى"، مع أن نسخة (خ) موافقة لما هنا!
(٧) قوله: "حسب" سقط من (ت).
(٨) في (ر) و (غ): "قيل".
(٩) في (خ) و (م) و (ت): "المقتدى".
(١٠) قوله: "به" سقط من (خ) و (م).
(١١) في (ر) و (غ): "لا مخالفة".
(١٢) في (ت) و (خ) و (م): "فإنها في مظنة".