للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "فَسَيَرْضَى بِهِ": دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ الخَطْبِ فِيمَا يُسْتَحْقَرُ.

وَهَذَا الشَّرْطُ مِمَّا اعْتَبَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فإِنه ذَكَرَ فِي "الإِحياءِ" (١): أَن مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الصَّغِيرَةُ: أَن يَسْتَصْغِرَهَا. قَالَ: فإِن الذَّنْبَ كُلَّمَا اسْتَعْظَمَهُ الْعَبْدُ مِنْ نَفْسِهِ صَغُرَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكُلَّمَا اسْتَصْغَرَهُ كَبُرَ عِنْدَ اللَّهِ: ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَبَسَطَهُ.

فإِذا تَحَصَّلَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ؛ فإِذْ ذَاكَ يُرْجَى أَن تَكُونَ صغيرُتها صَغِيرَةً (٢)، فإِن تَخَلَّفَ شَرْطٌ مِنْهَا أَو أَكثر؛ صَارَتْ كَبِيرَةً، أَو خِيفَ أَن تَصِيرَ كَبِيرَةً (٣)، كَمَا (٤) أَن المعاصي كذلك، والله أعلم.


=وإسناده صحيح.
وأخرجه الحميدي (١/ ٥٤ رقم ٩٨) من طريق إبراهيم الهجري؛ أنه سمع أبا الأحوص يقول: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن الشيطان قد أيس أن تُعبد الأصنام بأرضكم هذه، أو بلدكم هذا؛ ولكنه قد رضي منكم بالمحقِّرات من أعمالكم، فاتقوا المحقرِّات، فإنهن من الموبقات ... "، الحديث.
وفي سنده إبراهيم بن مسلم الهَجَري وهو مُتَكلَّم فيه، لكن الراوي عنه هنا سفيان بن عيينة، وروايته عنه جيدة كما بينته في تعليقي على "سنن سعيد بن منصور" (١/ ٤٤ رقم ٧).
والحديث أصله في "الصحيحين" دون موضع الشاهد.
فقد أخرجه البخاري (٦٧)، ومسلم (١٦٧٩)، كلاهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه؛ في ذكر خطبته صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع، لكن المخرج منه مما يتفق مع هذا الحديث إلى قوله: "في بلدكم هذا".
وأخرج مسلم (٢٨١٢) حديث جابر رضي الله عنه؛ قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: "إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم"، والله أعلم.
(١) (٤/ ٣٢).
(٢) قوله: "صغيرة" سقط من (ر) و (غ).
(٣) قوله: "أو خيف أن تصير كبيرة" ليس في (ر) و (غ).
(٤) في (غ): "مع" بدل "كما"، ثم صوبت في الهامش.