للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كلها تعبدي، والبيع والشراء والنكاح وَالطَّلَاقُ (١) والإِجارات وَالْجِنَايَاتُ كُلُّهَا عَادِيٌّ؛ لأَن أَحكامها معقولة المعنى. ومع أنها معقولة المعنى (٢) لا بُدَّ (٣) فِيهَا مِنَ التعبُّد، إِذ هِيَ مُقَيَّدة بأُمور شَرْعِيَّةٍ لَا خِيرَةَ للمُكَلَّف فِيهَا، كَانَتِ اقْتِضَاءً أَو تَخْيِيرًا، فإِن التَّخْيِيرَ فِي التعبُّدات إِلزام؛ كَمَا أَن الاقتضاءَ إِلزام حَسْبَمَا تَقَرَّرَ بُرْهَانُهُ فِي كِتَابِ "الْمُوَافَقَاتِ" (٤) ـ. وإِذا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ ظَهَرَ اشْتِرَاكُ الْقِسْمَيْنِ فِي مَعْنَى التَّعَبُّدِ. فإِن جاءَ الِابْتِدَاعُ فِي الأُمور الْعَادِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، صَحَّ دُخُولُهُ فِي الْعَادِيَّاتِ كَالْعِبَادِيَّاتِ، وإِلا فَلَا.

وَهَذِهِ هِيَ النُّكْتَةُ الَّتِي يَدُورُ عليها حكم الباب، ويتبين ذلك بِبَسْطِ الأَمثلة (٥): فَمِمَّا أَتى بِهِ الْقَرَافِيُّ (٦): وَضْعُ المُكُوس فِي مُعَامَلَاتِ النَّاسِ، فَلَا يَخْلُو هَذَا الْوَضْعُ الْمُحَرَّمُ أَن يَكُونَ عَلَى قصدِ حَجْرِ التصرُّفات وَقْتًا مَا، أَو فِي حَالَةٍ مَّا، لِنَيْلِ حُطام الدنيا، على هَيْئة غَصْب الْغَاصِبِ، وسَرِقة السَّارِقِ، وقَطْع الْقَاطِعِ لِلطَّرِيقِ، وَمَا (٧) أَشبه ذَلِكَ، أَو يَكُونَ عَلَى قَصْدِ وَضْعِهِ عَلَى النَّاس (٨)؛ كالدَّيْن الْمَوْضُوعِ، والأَمر المَحْتوم (٩) عليهم دائماً،


(١) في (خ) و (ت) و (م): "والبيع والنكاح والشراء والطلاق"، والمثبت من (ر) و (غ)، وهو أنسب للسياق.
(٢) قوله: "ومع أنها معقولة المعنى" سقط من (خ) و (ت).
(٣) في (خ) و (ت): "ولا بد".
(٤) (٢/ ٥٢٩).
(٥) في (خ) و (م) و (ت): "ويتبين ذلك بالأمثلة".
(٦) في "الفروق" (٤/ ٣٤٦)؛ حيث قسم البدع إلى خمسة أقسام، وفي القسم الثاني منها قال: "القسم الثاني: محرَّم، وهو بِدْعَةٍ تَنَاوَلَتْهَا قَوَاعِدُ التَّحْرِيمِ وَأَدِلَّتُهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ؛ كالمكوس، والمحْدثات من المظالم الْمُنَافِيَةِ لِقَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ؛ كَتَقْدِيمِ الجُهّال عَلَى الْعُلَمَاءِ، وتَوْلية المناصب الشرعية من لا يصلح لها بطريق التوارث، وجعل المستند لذلك كَوْنَ الْمَنْصِبِ كَانَ لِأَبِيهِ، وَهُوَ فِي نَفْسِهِ ليس بأهل". وانظر (ص٣٢١) فما بعد من المجلد الأول.
وقد استشكل رشيد رضا قول المصنف هنا: "فمما أتى به القرافي: وضع المكوس"، فقال: لعله سقط من هنا كلمة "من جواز"، أو "في مسألة".اهـ.
ولا أرى في العبارة إشكالاً، فمعناها: مما أتى به القرافي ـ أي: ذكره ـ في أقسام البدع: فرض المكوس.
(٧) في (ر) و (غ): "أو ما".
(٨) في (م) يشبه أن تكون: "التاس".
(٩) في (م): "المحترم".