للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإِنما يوجد فيه (١) النهي من جهة كونه (٢) تَشْرِيعًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّاسِ أَمرَ وجوبٍ أَو ندبٍ، إِذ لَيْسَ فِيهِ جِهَةٌ أُخرى يَكُونُ بِهَا مَعْصِيَةً؛ بَلْ نَفْسُ التَّشْرِيعِ هُوَ نَفْسُ الْمَمْنُوعِ.

وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى العلماءِ، وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ (٣) مَنْ لَا يَصْلُحُ (٤) بِطَرِيقِ التَّوْرِيثِ، هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فإِن جَعْلَ الْجَاهِلِ (٥) فِي مَوْضِعِ الْعَالِمِ حَتَّى يَصِيرَ مُفْتِيًا فِي الدِّينِ، وَمَعْمُولًا بِقَوْلِهِ فِي الأَموال والدماءِ والأَبضاع وَغَيْرِهَا مُحَرَّمٌ فِي الدِّينِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ يُتّخذ (٦) دَيْدَنًا حَتَّى يَصِيرَ (٧) الِابْنُ مُسْتَحِقًّا لِرُتْبَةِ الأَب ـ وإِن لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الأَب فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ ـ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ أَو غَيْرِ ذَلِكَ، بحيث يشيع هذا العمل ويطَّرد، ويَعُدّه (٨) النَّاسُ كَالشَّرْعِ الَّذِي لَا يُخالف؛ بِدَعَةً (٩) بِلَا إِشكال، زِيَادَةً إِلى الْقَوْلِ بالرأْي غَيْرِ الْجَارِي عَلَى الْعِلْمِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ، أَو سببُ البدعةِ كَمَا سيأْتي تَفْسِيرُهُ إِن شاءَ اللَّهُ، وَهُوَ الَّذِي بَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "حَتَّى إِذا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ؛ اتَّخَذَ الناس رؤساءَ (١٠) جهالا، فَسُئلوا، فأَفتوا بغير علم، فضَلّوا وأَضلوا" (١١)، وإِنما ضلوا وأضلوا؛ لأَنهم أَفتوا بالرأْي؛ إِذ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ.

وأَما إِقامة صُوَرِ الأَئمة وَالْقُضَاةِ وَوُلَاةِ الأُمور (١٢) عَلَى خِلَافِ ما كان


(١) في (خ) و (م) و (ت): "به".
(٢) في (خ) و (ت) و (م): "كونها".
(٣) في (ت) و (خ): "الشريفة".
(٤) في (ر) و (غ): "لا يصلح بها"، وفي (ت): "لا يصلح لها"، وعلّق رشيد رضا هنا بقوله: أي: لا يصلح هنا. اهـ.
(٥) في (م): "الجهال".
(٦) في (ت): "يصير"، وذكر بهامشها أن في نسخة: "يتخذ".
(٧) في (ت): "يكون" بدل "يصير".
(٨) في (خ) و (ت) و (م): "ويرده".
(٩) قال رشيد رضا: قوله: "بدعة": هو خبر: "وكذلك تقديم الجهال".اهـ.
(١٠) في (خ): "رءوساً".
(١١) أخرجه البخاري (١٠٠) و (٧٣٠٧)، ومسلم (٢٦٧٣) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(١٢) في (خ) و (ت) و (م): "الأمر".