للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ بَعْضُهُمْ (١): عَامَّةُ الْعِينَةِ (٢) إِنَّمَا تَقَعُ مِنْ رَجُلٍ يُضْطَرُّ إِلى نَفَقَةٍ يَضِنّ عَلَيْهِ الْمُوسِرِ بالقرض، إِلا أَن يُربحه في المائة ما أَحب (٣)، فيبيعه ثَمَنُ الْمِائَةِ بِضَعْفِهَا أَو نَحْوِ ذَلِكَ، ففسَّر بَيْعُ الْمُضْطَرِّ بِبَيْعِ العِينة، وَبَيْعُ الْعِينَةِ إِنما هُوَ الْعَيْنُ (٤) بأَكثر مِنْهَا إِلى أَجل ـ حَسْبَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفِقْهِيَّاتِ ـ، فَقَدْ صَارَ الشُّحُّ إِذاً سَبَبًا فِي دُخُولِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ فِي البيوع.

فإِن قيل: كلامنا في البدعة، لا فِي فَسَادِ (٥) الْمَعْصِيَةِ؛ لأَن هَذِهِ الأَشياء بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ، فَصَارَتْ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ.

فَالْجَوَابُ: أَن مَدْخَلَ الْبِدْعَةِ هَاهُنَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَالِ الَّذِي أَجازه بَعْضُ النَّاسِ، فَقَدْ عَدَّهُ العلماءُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كتابٍ (٦) وضِعَ فِي الحِيَل (٧): "من وضعَ هذا الكتاب (٨) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورة إِلَى كُورَةٍ (٩) فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ.

وَذَلِكَ أَنه وَقَعَ (١٠) فِيهِ احتيالات (١١) بأَشياء مُنْكَرَةٍ، حَتَّى احْتَالَ عَلَى فِرَاقِ الزَّوْجَةِ زوجها بأَن تَرْتَدَّ".


(١) هو شيخ الإسلام ابن تيمية في "إقامة الدليل" (٣/ ١٣٧/الفتاوى الكبرى)، وعنه ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٣/ ١٧٠) مع اختلاف يسير.
(٢) في (ر) و (غ): "الفتنة".
(٣) في (ت): "ما يحب".
(٤) في (ت): "إنما هو بيع العين"، لكن قوله: "بيع" ملحق، وليس في الأصل.
(٥) في (خ) و (م): "في البدعة في فساد"، وكذا كان في (ت)، وألحق الناسخ في الهامش حرف "لا" قبل قوله: "فساد".
(٦) في (ت): "في حق كتاب".
(٧) نقله عن ابن المبارك أيضاً شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (٣/ ١٦٨ ـ ١٦٩).
وانظر: "الموافقات" للمصنف (٣/ ١٢٤ ـ ١٢٥) و (٥/ ١٨٨)، و"الفتاوى الكبرى" (٣/ ١٧٠) و"الفتح" لابن حجر (١٢/ ٣٢٦).
(٨) قوله: "الكتاب" ليس في (خ) و (م) و (ت).
(٩) كُوَرة ـ على وزن صُورة ـ: المدينة. انظر: "لسان العرب" (٥/ ١٥٤).
(١٠) في (ر) و (غ): "وضع" بدل "وقع".
(١١) في (خ) و (ت) و (م): "الاحتيالات".