للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالثَّالِثُ: أَن يَعْمَلَ بِهَا الْجَاهِلُ مَعَ سُكُوتِ الْعَالِمِ عَنِ الإِنكار، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَيَفْهَمَ الْجَاهِلُ أَنها لَيْسَتْ بِمُخَالَفَةٍ.

وَالرَّابِعُ: مِنْ بَابِ الذرائع، وهو (١): أَن يَكُونَ الْعَمَلُ فِي أَصله مَعْرُوفًا، إِلا أَنه يَتَبَدَّلُ الِاعْتِقَادُ فِيهِ مَعَ طُولِ الْعَهْدِ بِالذِّكْرَى (٢).

إِلا أَن هَذِهِ الأَقسام لَيْسَتْ عَلَى وزانٍ واحدٍ، وَلَا يَقَعُ اسْمُ الْبِدْعَةِ عَلَيْهَا بِالتَّوَاطُؤِ، بَلْ هِيَ فِي القُرب وَالْبُعْدِ عَلَى تَفَاوُتٍ:

فالأَول: هُوَ الْحَقِيقُ بِاسْمِ الْبِدْعَةِ، فإِنها تؤخذ عنه (٣) بِالنَّصِّ عَلَيْهَا.

وَيَلِيهِ الْقِسْمُ الثَّانِي: فإِن الْعَمَلَ يشبه (٤) التَّنْصِيصُ بِالْقَوْلِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ أَبلغ مِنْهُ فِي مَوَاضِعَ ـ كَمَا تبَّين فِي الأُصول ـ، غَيْرَ أَنه لا يتنزَّل (٥) هاهنا من كل وجه منزلته؛ بدليل (٦): أَن العالِمَ قَدْ يَعْمَلُ وَيَنُصُّ عَلَى قُبح عَمَلِهِ، وَلِذَلِكَ قَالُوا (٧): لَا تَنْظُرْ إِلى عَمَلِ الْعَالِمِ، وَلَكِنْ سَلْهُ يَصْدُقْكَ، وَقَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحمد أَو غَيْرُهُ:

اعْمَلْ بعِلْمِي وَلَا تَنْظُر إِلى عَمَلِي ... يَنْفَعْكَ عِلْمِي وَلا يَضْرُرْكَ (٨) تَقْصِيرِي (٩)


(١) في (خ) و (م): "وهي".
(٢) في (ت): "بالأصلي" بدل "بالذكرى".
(٣) في (ت) و (خ) و (م): "علة".
(٤) في (خ) و (م): "يشبهه".
(٥) في (ت) و (م) و (خ): "لا ينزل".
(٦) في (خ): "منزلة الدليل". وفي (ت) و (م): "منزلة دليل".
(٧) القائل هو: إياس بن معاوية القاضي، وقوله هذا أخرجه وكيع في "أخبار القضاة" (١/ ٣٥٠)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (١/ ٢١٣ رقم ٣٢٨)، كلاهما من طريق حماد بن سلمة، عن إياس بن معاوية قال: لا تنظر إلى ما يعمل الفقيه، فإنه يصنع الأشياء يكرهها، ولكن سَلْه يخبرك بالحق.
هذا لفظ وكيع، ونحوه لفظ السهمي، إلا أنه قال: "العالم" بدل "الفقيه"، وقال: "ولكن قل له" بدل "ولكن سله".
وذكر المزي في "تهذيب الكمال" (٣/ ٤٣٣) أن عمر بن شبّة قال: حدثنا موسى بن إسماعيل؛ قال: حدثنا حماد بن سلمة؛ قال: قال إياس ... ، فذكره مثل لفظ السهمي.
وذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" (٣/ ١٦٩) معلَّقاً عن إياس.
(٨) في (ت) و (خ) و (م): "يضرك".
(٩) انظر: "جمهرة خطب العرب" (٢/ ٢٧٧).