للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمِثَالُ التَّاسِعُ:

إِنَّ الْعُلَمَاءَ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا لِمَنْ نَالَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي عُلُومِ الشَّرْعِ (١)، كَمَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَيْضًا ـ أَوْ كَادُوا أَنْ يَتَّفِقُوا ـ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ لَا يحصل إلا لمن رقي (رُتْبَةِ) (٢) الِاجْتِهَادِ (٣)، وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ إِذَا فُرِضَ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَافْتَقَرُوا إِلَى إِمَامٍ يُقَدِّمُونَهُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ وَتَسْكِينِ ثَوْرَةِ الثَّائِرِينَ، وَالْحِيَاطَةِ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْثَلِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ (٤)، لِأَنَّا بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ فَوْضًى، وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ وَالْهَرَجِ، وَإِمَّا أَنْ يُقَدِّمُوهُ فَيَزُولُ الْفَسَادُ بَتَّةً، وَلَا يَبْقَى إِلَّا فَوْتُ الِاجْتِهَادِ، وَالتَّقْلِيدُ كَافٍ بِحَسَبِهِ.

وَإِذَا ثَبَتَ/ هَذَا فَهُوَ نَظَرٌ مَصْلَحِيٌّ يشهد له وضع أصل الإمامة (بل هو) (٥) مَقْطُوعٌ/ بِهِ بِحَيْثُ لَا يَفْتَقِرُ فِي صِحَّتِهِ وَمُلَاءَمَتِهِ إِلَى شَاهِدٍ.

هَذَا ـ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ (مخالفاً) (٦) لما نقلوا من الإجماع (فإن


(١) اختلف العلماء في اشتراط بلوغ مرتبة الاجتهاد في إمام المسلمين، فذهب بعض العلماء إلى اشتراط الاجتهاد فيه، حكاه الجويني في غياث الأمم، وقال الرملي: وهو مذهب الشافعي، وهو قول الماوردي وأبي يعلى، وعبد القاهر البغدادي، والقرطبي صاحب أحكام القرآن وابن خلدون. وذهب آخرون من العلماء إلى عدم اشتراط الاجتهاد، ذكر ذلك الشهرستاني، ورأي ابن حزم أنه من الشروط المستحبة لا من الواجبة، وهو مذهب أكثر الحنفية وقول الغزالي. انظر تفصيل المسألة في الإمامة العظمى للدكتور عبد الله الدميجي (ص٢٤٧ ـ ٢٥١).
(٢) في (ط) و (خ) و (ت): "في رتبة".
(٣) حكى ابن عبد البر في جامع بيان العلم (٢ ٨٦) أنه لا يجوز لغير المجتهد أن يتقلد القضاء، ولا يجوز للإمام توليته.
(٤) جاء في هامش نسخة (ت) ما نصه: "قلت: رأيت في أجوبة الشيخ محمد بن سحنون أنه إذا اتفق أن أهل بلد كلهم فساق فلا بد من إقامة وظائف الدين فيهم من القضاء والإمامة والعدالة واختيار الأمثل فالأمثل منهم لذلك، وإلا تعطلت أحوال الناس، وبطلت مراسم الدين".
(٥) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وهو".
(٦) في (م): "مخالف".