للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهات أهل البدع في إنكارهم لصفة الكلام والرد عليها]

أنكر أهل البدع الكلام، وقالوا: لو كان الله يتكلم بكلام حادث لصار محلاً للحوادث، وهذا لا يليق به، إنما يليق بالمخلوق الحادث.

وهذا باطل؛ لأن هذا إنما يقال في حق كلام المخلوق، وكلام الله لا يساوي ولا يماثل كلام المخلوق، وإنما تحل الحوادث في ذات المخلوق، والرب يتكلم بكلام ليس مثل كلام المخلوقين، فلا نعلم كيف يتكلم.

قالوا: لو قلنا: إن الله يتكلم.

للزم من ذلك أن يكون له شفتان وأضراس وأسنان؛ لأن الذي يتكلم لابد أن يخرج الحروف من الشفتين والأضراس والثنايا العليا والسفلى، وحافة اللسان، والله منزه عن ذلك كله.

لكن هذا لا يلزم، فنحن نرى بعض الأشياء تتكلم وليس لها أضراس ولا لسان، ومن ذلك شهادة اللسان والأيدي والأرجل يوم القيامة، قال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور:٢٤] فهذه الأشياء ليس لها لسان تتكلم به، وقال النبي: (إني لأعرف حجراً يسلم علي في مكة)، أي: أن الحجر كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم والحجر ليس له لسان، بل سمع تسبيح الطعام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يخطب على جذع ثم أُتي له بمنبر، فلما خطب صاح الجذع حتى كاد ينشق؛ فنزل النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يهدئه كما يهدئ الصبي حتى سكت، فهل الجذع له لسان وصوت وأضراس، فإذا كانت بعض المخلوقات تتكلم ولا نعلم كيف تتكلم، فكيف تنكرون أن يكون الله يتكلم ولا نعلم كيف يتكلم؟ لكن أهل البدع -والعياذ بالله- ابتلوا بمخالفة النصوص والإعراض عنها، وتأويلها، ودفعها.

نسأل الله السلامة والعافية.

والآية هي تأكيد للمصدر {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] قال العلماء: إن التأكيد للمصدر ينفي المجاز وينفي التأويل.

حتى أن بعض أهل البدع كالجهمية شق عليهم سماع هذه الآية التي فيها أن الله يتكلم، حتى تمنى بعضهم أن تمحى من المصحف، وحرف قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤]، فقرأها بفتح لفظ الجلالة: {وَكَلَّمَ اللَّهَ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] فجعل الرب هو المكلم وموسى هو المتكلم حتى ينفي عن الرب الكلام، فقال له بعض أهل السنة: هب يا عدو الله! أنك استطعت أن تحرف هذه الآية، فكيف تقول في قوله تعالى: {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:١٤٣]؟ قال: معنى ((وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ)) أي: جرحه بأظافره، قصده من هذا إنكار الكلام {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} [المائدة:٤١] لا حيلة في من أضله الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>