للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً

قال المؤلف رحمه الله: [والإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، خلقتا للبقاء لا للفناء، وقد صح في ذلك أحاديث عدة].

الإيمان بأن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً، خلقتا للبقاء لا للفناء، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فقد اتفقوا على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وأن خلقهما سبق خلق آدم عليه الصلاة والسلام، والأدلة على وجودها الآن كثيرة من الكتاب ومن السنة، فمن الأدلة على وجود الجنة قول الله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:١٣٣] {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} [الحديد:٢١].

ومن الأدلة على وجود النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:٢٤] {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا} [النبأ:٢١].

ومن أوضح الأدلة على خلق الجنة، قصة آدم عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى له: {يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [البقرة:٣٥]، ومن السنة ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة وبالعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، يقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة).

وكذلك ما ثبت في الأحاديث الصحيحة: أن المؤمن يفتح له باب إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها، والفاجر يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها.

فالجنة موجودة الآن، وفيها الولدان والحور، ومما يدل على ذلك حديث الكسوف: (لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف فتقدم وتقدمت الصفوف، وكأنه يتناول شيئاً، ثم تكعكع وتكعكعت الصفوف، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! رأيناك تقدمت وتأخرت، قال: إني رأيت الجنة فتناولت عنقوداً ولو أصبته لأخذتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)، والحديث رواه البخاري في صحيحه في باب الكسوف.

وقالت المعتزلة والقدرية: إن الجنة والنار معدومتان، وإنما تخلقان يوم القيامة، وقالوا: إن وجودهما الآن ولا جزاء عبث، والعبث محال على الله! هكذا صاروا يحكمون عقولهم ويتبعون آراءهم وأهواءهم، يقولون: إن الجنة والنار كونهما يخلقان الآن ولا جزاء فيهما عبث في وجودهما، والعبث محال على الله، وإنما تخلقان وتنشآن يوم القيامة، وهذا باطل، وسنذكر الأدلة على أنهما موجودتان الآن، وأرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، يفتح باب للميت إلى الجنة، ويفتح باب للفاجر إلى النار، ولكن المعتزلة والقدرية يحكمون عقولهم وآراءهم الفاسدة.

وهما موجودتان باقيتان دائمتان لا تفنيان، وذهبت الجهمية إلى أنهما تفنيان يوم القيامة.

وهذا من أبطل الباطل، ونسب لبعض السلف أن الجنة باقية، ولكن النار إذا مضى عليها مدة متطاولة تفنى، ولكن هذا قول ضعيف مرجوح، والصواب أنهما باقيتان دائمتان، وأما قول الجهمية أنهما تفنيان فهذا من أبطل الباطل، وقد رد عليهم أهل السنة وبدعوهم.

وقال أبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة في القرن الثالث: تفنى حركات أهل الجنة والنار وتكون كالحجارة، وهذا من أبطل الباطل، وقول فاسد، والصواب الذي عليه أهل الحق والذي تدل عليه النصوص: أن الجنة والنار دائمتان باقيتان لا تفنيان، باقيتان بإبقاء الله لهما أبد الآباد.

<<  <  ج: ص:  >  >>