للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دلالة حديث (أين الله؟) على إثبات العلو]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وروى معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء.

قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.

قال: أعتقها فإنها مؤمنة).

رواه مسلم بن الحجاج وأبو داود وأبو عبد الرحمن النسائي.

ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: (أين الله؟)!].

هذا الدليل السابع وهو حديث معاوية بن الحكم السلمي، والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء.

قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.

قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فـ معاوية بن الحكم السلمي كانت له جارية اشتراها لترعى له الغنم عند جبل أحد، فأبصرها من بعيد وقد جاء الذئب وأخذ شاة، فغضب معاوية من الجارية لأنها لم تطرد الذئب، فلطمها، ثم ندم وخاف وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بأنه لطمها فشدد عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! إني سأعتقها، فقال له: ائتني بها، فأتاه بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء.

قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.

قال: أعتقها فإنها مؤمنة)، فاستدل على إيمانها بأنها أثبتت أن الله في العلو، وأهل البدع كالجهمية والأشاعرة يؤولون هذا الحديث، فهذا الحديث غصة في حلوقهم؛ لأن كلمة (أين) يسأل بها عن المكان، فالمعنى أي: أين مكان الله؟ فقالوا: لا يمكن أن يسأل عن الله بأين، حتى أنهم خطئوا النبي صلى الله عليه وسلم وخطئوا الجارية، فقالوا: إن الجارية أعجمية لا تفهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام سألها.

أين الله؟ ولا يُسأل عن الله بأين؛ لأنك لو سألت عن الله بأين ففيه تحديد المكان، وإذا كان الله في جهة العلو صار محدوداً ومتحيزاً وجسماً، وهذا كفر عندهم، فأهل البدع يقولون: من قال: إن الله في السماء فقد كفر؛ لأنك بقولك هذا تنقص من قدر الله، وتجعل الله محدوداً متحيزاً في مكان، ولا يكون شيء على شيء إلا المحدود المتحيز، ولا يكون إلا جسم، وهذا يجعل لله شبيهاً ومثيلاً، وهذا كفر عندهم، وقد تأولوا هذا بقولهم: إن ظاهر النصوص كفر، أي: ظاهر القرآن والسنة كفر والعياذ بالله! فلابد أن تؤول، فلو أثبتنا العلو والمعية وأثبتنا العلم والقدرة لله ففي هذا مشابهة للمخلوقات، وتشبيه الله بخلقه كفر، فلا بد أن نتأولها فأشكل عليهم قوله صلى الله عليه وسلم (أين الله؟) وهذا صريح في جواز السؤال بأين الله؟ وعندما قالت: في السماء صدقها وأثبت لها الإيمان، وبعض أهل البدع قال: الرسول عليه السلام قال لها: (أين الله؟) وقصده أن يقول: من الله؟ لأن هذه جارية أعجمية لا تفهم، فخاطبها على قدر عقلها وفهمها، فلما أجابت أقرها على جواب فاسد! إذاً: فالسؤال عندهم فاسد والجواب فاسد! هكذا اتهموا الرسول والعياذ بالله، فأهل البدع وصفوا الرسول بأنه سأل سؤالاً فاسداً، وأقرها على جواب فاسد، قالوا: والله ليس له مكان، فلو كان له مكان لصار محدوداً ومتحيزاً، فقالوا: ليس له مكان، وإنما هو في كل مكان والعياذ بالله.

ولهذا رد عليهم المؤلف فقال: ومن أجهل جهلاً، وأسخف عقلاً، وأضل سبيلاً ممن يقول: إنه لا يجوز أن يقال: أين الله؟ بعد تصريح صاحب الشريعة بقوله: (أين الله؟).

وصاحب الشريعة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>