للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قتل النفس بغير حق وما يترتب عليه]

السؤال

من قتل نفساً بغير حق وتاب إلى الله، وبعد تنازل أهل المقتول هل يعذب يوم القيامة، وماذا يجب عليه ليكفر عما عمله، وكيف يحسن للمقتول إذا استطاع، ومن أقيم عليه الحد هل هو كفارة عن عذاب الله يوم القيامة؟

الجواب

القتل عمداً بغير حق أعظم الذنوب بعد الشرك بالله عز وجل، يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:٩٣]، وفي الحديث: (لزوال الدنيا بأسرها أهون على الله من قتل رجل مسلم)، وفي الحديث: (لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقال تعالى في كتابه العظيم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة:٣٢].

القتل عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق حق لله، وحق للمقتول، وحق لأولياء القتيل، فإذا أداها برئت ذمته.

الحق الأول: حق لأولياء القتيل، فيأتي ويسلم نفسه إليهم، ويصطلح معهم، فإن شاءوا قتلوه قصاصاً وإن شاءوا طلبوا منه الدية أو أكثر من الدية صلحاً، فإذا سلم نفسه إليهم وقتلوه قصاصاً أو اتفقوا معه على نفس الدية أو أكثر منها سقط حقهم، وبقي حق الله وحق القتيل.

فإذا تاب فيما بينه وبين الله توبةً نصوحاً، بأن أقلع عن هذه المعصية وندم على ما مضى وعزم عزماً جازماً على ألا يعود إليها مرة أخرى تاب الله عليه وسقط حق الله، وبقي حق القتيل يوم القيامة، فإذا أدى الحقين: حق أولياء القتيل وحق الله، فالله تعالى يرضي المقتول عنه يوم القيامة بما يعطيه من الثواب والدرجات في الآخرة، فيصفح عن أخيه فيتوب الله عليه.

والصواب أن القاتل له توبة، وهذا هو الذي عليه الجماهير، وروي عن ابن عباس أنه قال: لا توبة له، وروي عنه أنه قال بقول الجمهور: أن له توبة، ومعنى قول ابن عباس: (لا توبة له).

ليس معناه أنه يخلد في النار، بل معناه أنه يكون هنالك موازنة بين الحسنات والسيئات، فإذا رجحت السيئات فإنه يعذب في النار بقدر جريمته ثم يخرج منها.

أما إذا كان له توبة كأن تقبل توبته، فإنه لابد أن يعذب في النار ثم يخرج منها، ولا يخلد كالمشرك.

وأما قوله تعالى: {خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣]، فالخلود خلودان: خلود مؤمد له أمد ونهاية، وخلود مؤبد لا نهاية له، فالخلود المؤبد الذي لا نهاية له خلود الكفرة، والخلود المؤمد الذي له خلود ونهاية خلود بعض العصاة الذين قد فشت جرائمهم وغلظت كالقاتل، والمراد بالخلود: المكث الطويل، والعرب تقول: أقاموا فيها فأخلدوا، ويسمى المكث الطويل خلوداً، فخلود بعض العصاة الذين كثرت جرائمهم أو فحشت أو غلظت خلود مؤمد له نهاية، ولو مكثوا مدة طويلة، وأما خلود الكفرة فإنه خلود مؤبد لا نهاية له أبد الآباد.

فإذا تنازل أولياء القتيل سقط حقهم، وبقيت التوبة فيما بينه وبين الله، فإذا تابت فيما بينه وبين الله تاب الله عليه وسقط حق الله، وبقي حق القتيل يرضيه الله يوم القيامة.

أما إذا استغفر أو دعا له، فهذا تبرع منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>