للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحث على طلب العلم وبيان فضله]

بسم الله الرحمن الرحيم.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وإمامنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي المكي ثم المدني صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

فطلب العلم وحضور مجالس العلم فيه فضل عظيم، وأجر كبير.

وإن طلب العلم بحسن إخلاص النية لا يعدله شيء، فهو من أفضل القربات، وأجل الطاعات، والعلم: هو ميراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر.

ولقد بين الله تعالى فضل العلم، وأهل العلم والعلماء، فقال سبحانه في كتابه العظيم: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:٩].

وقال سبحانه: {َ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:٢٨].

وقرن سبحانه وتعالى شهادة أهل العلم بشهادته وشهادة ملائكته على أعظم مشهود به، وهي الشهادة له سبحانه وتعالى بالوحدانية، فقال سبحانه: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:١٨].

ومجالس الذكر وطلب العلم أفضل من نوافل العبادة، فهي أفضل من نوافل الصلاة، ونوافل الصيام، ونوافل الحج، فطلب العلم مقدم على نوافل العبادات؛ وما ذاك إلا لأنه بطلب العلم وحضور مجالسه يتعلم الإنسان دينه، ويتبصر ويتفقه في دينه، ويعلم الحلال والحرام، ويعلم ما يجب لله تعالى، وما يصف الله به نفسه من الأسماء والصفات، ويعلم حق الله سبحانه وتعالى، فيعبده على بصيرة ولهذا ثبت في الصحيحين: من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).

قال العلماء: هذا الحديث له منطوق، وله مفهوم؛ فمنطوقه: أن من فقهه الله في الدين فقد أراد به خيراً.

ومفهومه: أن من لم يفقه الله في الدين لم يرد به خيراً.

فينبغي على المسلم أن يحرص على حضور مجالس وحلقات العلم والدروس العلمية، وأن يكون صاحب نية حسنة خالصة لله؛ لأن طلب العلم عبادة من أفضل القربات وأجل الطاعات، والعبادة لا بد فيها من شرطين، ولا تقبل إلا بهما: الشرط الأول: أن تكون خالصة لله، مراداً بها وجه الله والدار الآخرة.

والشرط الثاني: أن تكون موافقة لشرع الله، وعلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فينبغي لطالب العلم أن يحرص على مجالس العلم، وعلى الدروس العلمية، وأن يرتبط بها، وأن ينتهز الفرصة ما دامت هذه المجالس والحلقات موجودة، وأهل العلم موجودون، فقد يأتي وقت لا تتيسر له هذه المجالس، وقد يفقدها، فعلى طالب العلم أن يجتهد وأن يحرص، وأن يخلص نيته لله، وأن يكون قصده أن يتفقه ويتبصر في دين الله، وأن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره؛ لأن الأصل في الإنسان أنه لا يعلم، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:٧٨].

وقيل للإمام أحمد رحمه الله: كيف ينوي طالب العلم؟ قال: ينوي أن يرفع الجهل عن نفسه وعن غيره.

فالأصل في الإنسان أنه لا يعرف، فيتعلم ويتبصر، فيرفع الجهل عن نفسه ويعبد ربه على بصيرة، ثم يرفع الجهل عن غيره، بأن يعلم غيره ما تعلَّم.

والأدلة والنصوص في فضل العلم وطلب العلم كثيرة ومشهورة ومعلومة.

<<  <  ج: ص:  >  >>