للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مراتب القدر]

الإيمان بالقدر له أربع مراتب لا بد من الإيمان بها، ومن لم يؤمن بهذه المراتب لم يؤمن بالقدر.

المرتبة الأولى: العلم الشامل لكل شيء، للماضي والحاضر والمستقبل، والمستحيل أيضاً، فالله تعالى يعلم بما كان في الماضي، ويعلم ما يكون في المستقبل والحاضر، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، قال الله تعالى عن الكفار: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣] فدل على أن الله ما أسمعهم الآن، لكن أخبر عن علم فقال: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال:٢٣].

وقال سبحانه عن الكفار لما طلبوا الإعادة إلى دار الدنيا: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:٢٨] وهم لا يمكن أن يردوا.

وقال عن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ} [التوبة:٤٦] أي: المنافقون.

{لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا} [التوبة:٤٦ - ٤٧] فمع أنهم لم يخرجوا ولكن علم الله حالهم فقال: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة:٤٧] فهذه المرتبة الأولى وهي: العلم.

المرتبة الثانية: الكتابة، وهو الإيمان بأن الله كتب كل شيء في اللوح المحفوظ، فكل ما يكون من الذوات، والصفات، والأقوال، والأفعال، والحركات، والسكنات، والرطب، واليابس مكتوب، قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩].

وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:٢٢].

وقال سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} [الحج:٧٠] وهو اللوح المحفوظ، وهذه الآية فيها إثبات العلم وإثبات الكتابة.

وقال سبحانه: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يس:١٢] وهو اللوح المحفوظ.

وقال سبحانه: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩].

وثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء).

وهذا يدل على أن كتابة المقادير سابقة لخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.

وقال عليه الصلاة والسلام: (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: يا رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة)، وفي لفظ: (فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة).

فهاتان مرتبتان لا بد من الإيمان بها.

المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة، وهو: أن كل شيء يقع في هذا الوجود لا بد أن تسبق وجوده مشيئة الله وإرادته؛ إذ لا يمكن أن يقع في الكون إلا ما شاءه الله وأراده سبحانه وتعالى.

المرتبة الرابعة: الخلق والإيجاد، وهو الإيمان بأن الله تعالى خلق وأوجد كل شيء في هذا الكون، وكل شيء في هذا الكون خلقه الله وأوجده قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩].

{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢].

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:١٦].

فهذه مراتب القدر الأربع، ومن لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر، وأهل السنة والجماعة آمنوا بهذه المراتب الأربع.

<<  <  ج: ص:  >  >>