للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول الإمام إسحاق بن راهويه في صفة النزول]

قال المؤلف رحمه الله: [وقال إسحاق بن راهويه: قال لي الأمير عبد الله بن طاهر: يا أبا يعقوب! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا) قال: قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب عز وجل: كيف؟ إنما ينزل بلا كيف.

ومن قال: يخلو العرش عند النزول أو لا يخلو فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع].

هذه المقالة هي للإمام إسحاق بن راهويه وهو إمام كبير من الحفاظ، وكنيته: أبو يعقوب الحنظلي، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة، قال له الأمير عبد الله بن طاهر: وهذا اسمه عبد الله بن طاهر بن الحسين وكنيته أبو العباس، وهو أمير خرسان في زمانه، بل من أشهر الولاة في العصر العباسي، يقول الأمير لـ إسحاق بن راهويه يا أبا يعقوب! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا) كيف ينزل؟ فتعجب الإمام من الأمير قال: قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف، هذا كلام الإمام رداً على الأمير.

قول الإمام: أعز الله الأمير، هذا دعاء له.

وقوله: لا يقال لأمر الرب كيف: إنما ينزل بلا كيف إلى هنا انتهى كلام الإمام إسحاق للأمير.

ثم بدأ المؤلف كلامه بقوله: (ومن قال يخلو العرش عند النزول أو لا يخلو فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع) إذاً: الحافظ عبد الغني يرى أنه لا يقال: (يخلو العرش من الرب) ويرى أن هذا من القول المبتدع فنقول: ينزل الرب، ولا نقول: يخلو العرش أو لا يخلو العرش.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن للعلماء أقوالاً ثلاثة في هذه المسألة: القول الأول: أنه لا يخلو العرش عند نزوله، أي: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش؛ لأن نصوص الفوقية والعلو محكمة وأما النزول فهو فعل يفعله والله أعلم بكيفيته.

القول الثاني: وهو الذي اختاره المؤلف أنه لا يقال: يخلو ولا يقال: لا يخلو، بل السكوت.

القول الثالث: أن يقال: يخلو منه العرش، وهذا أضعفها.

ثم ذكر شيخ الإسلام أن أصح هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أن يقال: لا يخلو منه العرش.

وقال: منهم من ينكر أن يقال: يخلو منه العرش أو لا يخلو، ونقل هذا عن الحافظ عبد الغني المقدسي.

ومنهم من قال: بل يخلو منه العرش، وهذا أضعفها، وصنف ابن مندة في الإنكار على من قال: لا يخلو منه العرش، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر الأقوال في هذه المسألة: القائلون بأنه يخلو منه العرش طائفة قليلة من أهل الحديث، وجمهورهم على أنه لا يخلو منه العرش، وهو المأثور عن الأئمة المعروفين بالسنة، ولم ينقل عن أحد منهم بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه.

إذاً: شيخ الإسلام يبين أن قول جمهور المحدثين: أنه لا يخلو منه العرش، وأن هناك طائفة قليلة تقول: بأنه يخلو منه العرش، والقول الثالث: أنه لا يقال: يخلو ولا يخلو، كما اختاره الحافظ عبد الغني وغيره، قالوا: إن القول: بأنه يخلو أو لا يخلو قول مبتدع، وبهذا يتبين أن جمهور المحدثين على أنه لا يخلو منه العرش.

<<  <  ج: ص:  >  >>