للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على بقية ألفاظ مقدمة المؤلف]

(المتفرد بالكمال والبقاء)، يعني: سبحانه هو الذي تفرد بالكمال، وبصفات الكمال.

وأما المخلوق فإنه وإن اتصف ببعض الصفات إلا أنها ليست صفات كمال على الإطلاق، بل إن الكمال الذي فيها هو كمال نسبي، يليق بالمخلوق وبالبشر، فأما صفات الكمال على الإطلاق فلا يستحقه إلا الرب سبحانه وتعالى، فهو الذي تفرد بالكمال، وتفرد بالبقاء، وهو الباقي سبحانه وتعالى، وهو الحي القيوم الذي لا يموت، وأما المخلوق فإنه ليس له البقاء إلا بإبقاء الله له.

(وهو المتفرد بالكمال والبقاء والعز)، أي: العز الكامل، وأما المخلوق فإن عزه عز نسبي بإعزاز الله له.

(وتفرد بالكبرياء) سبحانه وتعالى، وأما المخلوق فليس له أن يتكبر، فإذا تكبر فهو مذموم، فالكبر للمخلوق من الصفات الذميمة ومن الكبائر، وقد يكون كفراً، كما إنه إذا تكبر عن عبادة الله، فلم يعبد الله فإن هذا الكبر يخرج من الملة، وقد يكون كبراً دون ذلك فيكون من الكبائر، وفي الحديث: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)، هذا إذا كان هذا الكبر على التوحيد فهو مخلد في النار، وأما إن كان دون التوحيد فهذا من باب الوعيد ومن الكبائر.

(وهو الموصوف بالصفات والأسماء).

يعني: الموصوف بالصفات والأسماء التي وصف بها نفسه وسمى بها نفسه في كتابه، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، فليس للعباد أن يسموا الله بأسماء من عند أنفسهم، أو يصفوه بصفات من عند أنفسهم، ولا يخترعون لله أسماءً أو صفات، بل الأسماء والصفات توقيفية، يوقف فيها عند النصوص.

(المنزه عن الأشباه والنظراء)، والنظير هو: المثيل، فالله ليس له مثيل ولا شبيه، بل هو سبحانه وتعالى لا أحد يماثله في صفاته لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى.

فليس له مثيل ولا شبيه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أسمائه، ولا في أفعاله سبحانه وتعالى.

(الذي سبق علمه في بريته بمحكم القضاء)، أي: الذي سبق علمه في المخلوق، (في بريته)، يعني: مخلوقاته والبرية هي: المخلوقات.

يعني: قد سبق علم الله بما يكون في المخلوقات، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء).

والعلم ثابت بالكتاب قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:٧٠].

وقال سبحانه: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:٢٢].

(سبق علمه في بريته بمحكم القضاء من السعادة والشقاء)، يعني: أن الله تعالى سبق علمه وكتب الشقاوة والسعادة، فعلم ذلك، وكتب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، وقبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.

(واستوى على عرشه فوق السماء)، يعني: استوى استواءً يليق بجلاله وعظمته، ومعنى (استوى): استقر وعلا وصعد وارتفع فوق عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، فبين المؤلف رحمه الله في خطبته أنه يسير على وفق معتقد أهل السنة والجماعة، وعلى ما دلت عليه النصوص، فأثبت الاستواء، وأهل البدع يحرفون ويؤلون استوى بالاستيلاء.

(وصلى الله على الهادي إلى المحجة البيضاء والشريعة الغراء، محمد صلى الله عليه وسلم)، (صلى الله): صلاة الله على عبده، وأحسن أو أصح ما قيل في تعريف صلاة الله على عبده أنها: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، فأنت تسأل الله أن يثني على عبده في الملأ الأعلى.

(وصلى الله على الهادي)، وهذا وصف للرسول، والهادي أي: هداية دلالة وإرشاد؛ لأن الهداية هدايتان: هداية دلالة وإرشاد، وهذه يملكها النبي صلى الله عليه وسلم، ويملكها الدعاة والمصلحون، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].

وهداية التوفيق والتسديد، وخلق الهداية في القلوب، وجعل الإنسان يقبل الحق ويرضاه، وهذه لا يملكها إلا الله.

ولا يملكها النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره.

قال الله تعالى لنبيه لما عجز عن هداية عمه أبي طالب: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦]، يعني: إنك لا توفق ولا تستطيع أن توفِّق، بل الذي يوفق هو الله، وهو الذي يخلق الهداية في القلوب.

(وصلى الله على الهادي إلى المحجة البيضاء والشريعة الغراء)، المحجة: يعني: الجادة والطريق، (البيضاء): وهي محجة الإسلام وطريق الإسلام، والصراط المستقيم، (والشريعة الغراء)، يعني: البيضاء الناصعة، وهي ما بعث بها عليه الصلاة والسلام، من الشريعة السهلة السمحة في العقيدة والعمل والخلق.

(محمد)، هذا اسم من أسمائه عليه الصلاة والسلام، وسمي محمداً: لكثرة المحامد.

وله أسماء كثيرة عليه الصلاة والسلام، مثل: محمد وأحمد والحاشر والمقفي والعاقب، أي: الذي يحشر الناس على عقبه، وله أسماء كثيرة عليه الصلاة والسلام.

(محمد سيد المرسلين)، سيدهم: يعني: له السؤدد والإمامة، فهو مقدمهم وإمامهم عليه الصلاة والسلام، وهو سيد المرسلين والأنبياء.

(وعلى آله)، المراد بالآل، قيل: أهل بيته، يعني: المؤمنين به منهم، مثل: عمه العباس وعمه حمزة وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فكلهم من أهل بيته.

وقيل: المراد بآله: أتباعه على دينه إلى يوم القيامة ويدخل في ذلك أهل بيته، ويدخل في ذلك أزواجه، فإن أزواجه من أهل بيته.

(وصحبه)، جمع صاحب، وهو: كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ولو لحظة، ومات على الإسلام، وكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم يشمل العميان مثل: عبد الله بن أم مكتوم، فإنه لقيه، ولا يقال: كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ابن أم مكتوم رضي الله عنه صحابي، ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم لكن لقيه، فكل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ولو للحظة ثم مات على الإسلام فهو صحابي، ولو كان صغيراً أو صبياً.

(وعلى آله وصحبه)، وإذا فسر الآل: بأتباعه على دينه، فيكون الدعاء بالصلاة للصحابة مرتين، مرة بالعموم ومرة بالخصوص.

(وعلى آله): أي: أتباعه على دينه، ويدخل في ذلك الصحابة وأزواجه وأهل بيته، ثم قال: (وصحبه) وهذا تخصيص بعد تعميم.

(الطاهرين)، أي: الذين طهرهم الله من الشرك، والإصرار على الكبائر.

(الأتقياء)، جمع تقي، والتقي: هو الذي آمن بالله، وأدى الواجبات، وترك المحرمات.

(صلاة دائمة)، يعني: مستمرة.

(إلى يوم اللقاء)، وهو يوم الدين، الذي يلقى فيه كل مؤمن ربه، ويقف بين يديه للحساب.

<<  <  ج: ص:  >  >>