للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم والتوسل به]

طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم هو أن يقول الإنسان: يا رسول الله! اشفع لي، فإن هناك فرقاً بين أن يقول الإنسان: اللهم شفع نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم في، وبين أن يقول: يا رسول الله! اشفع لي، فإذا قال: اللهم، هذا دعاء لله عز وجل وليس فيه إشكال، وإذا قال: يا رسول الله! اشفع لي، فإن طلب الشفاعة من الرسول صلى الله عليه وسلم ينقسم إلى ثلاثة أقسام بحسب الدور: ففي الدنيا يصح للإنسان أن يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويطلب منه الشفاعة، والمقصود بالشفاعة حينئذ الدعاء، ولا إشكال في ذلك.

وأما طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في البرزخ فإنه لا يجوز، وهو إما بدعة وإما شرك، فإنه طلب من الغائب أن يشفع له فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فإن الشفاعة ملك لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر:٤٤]، فالشفاعة ملك خاص لله عز وجل لا يجوز أن تطلب إلا منه، لكن قد يقول قائل: إن الله أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة، فإذا أعطى الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة فلماذا لا نطلبها منه الآن؟ والجواب على هذا هو أن يقال: إن الله عز وجل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة في الآخرة بعد أحداث، وبعد أن يستأذن من الله عز وجل، وأما في الدنيا وفي البرزخ فلم يعطه شيئاً من الشفاعة، بل هي ملك لله عز وجل، فإذا طلبها الإنسان من غير الله فهو يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، وهذا من الشرك.

وأما الحالة الثالثة فهي أن يطلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وهذا لا إشكال فيه، فإنه يطلب الشفاعة والدعاء من حي ينظر إليه ويستطيع أن يدعو له، ولهذا لا يصح للقبوريين أن يستدلوا: بأن الناس يوم القيامة يأتون إلى آدم وإلى نوح وإلى إبراهيم وإلى موسى وعيسى ويأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيستغيثون به، فإن الاستغاثة هذه استغاثة فيما يقدرون عليه وهو الدعاء، ولا إشكال في ذلك، وهذا من جنس أن يطلب الإنسان من مخلوق في الدنيا ما يستطيع عليه، والشرك هو أن يطلب من غير الله عز وجل ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، فإذا طلب الإنسان من مخلوق شيئاً من الأشياء يقدر عليه المخلوق فلا إشكال في هذا، وهذه الصورة لا إشكال فيها، وإنما الذي يدخله الشرك أو هو الشرك بعينه أن يطلب من غير الله عز وجل ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.

والمسألة الثانية: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا أطلقه القبوريون فهم يريدون به استغاثة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا قالوا: نحن نتوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإنهم يقصدون الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي دعاؤه فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا من الشرك.

<<  <  ج: ص:  >  >>