للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أهل السنة في مصير أهل الكبائر الموحدين]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون].

وهذه هي عقيدة أهل السنة، وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم يقولون: إن أهل المعاصي من أهل الكبائر مخلدون في النار لا يخرجون منها أبداً، والخلاف بين المعتزلة وبين الخوارج هو في الحكم عليه في الدنيا، فإن الخوارج قالوا: أصحاب الكبائر كفار، وأجروا عليهم أحكام الكفر، وأما المعتزلة فقالوا: إنهم يخرجون من الإيمان بالكبيرة، لكنهم لا يدخلون في الكفر، وإنما يبقون في منزلة بين المنزلتين، وهي بدعة غريبة لم تعرف إلا عنهم.

وأما أهل السنة فإنهم يقولون: إن أهل الكبائر من أهل الوعيد قد يعذبهم الله سبحانه وتعالى في النار ثم يخرجون منها بالشفاعة أو بانتهاء العذاب أو برحمة الله سبحانه وتعالى، المهم: أنه لا يخلد أحد من أهل المعاصي في النار أبداً، وإنما تبقى النار للكفار الخالدين فيها، وأما في الدنيا فإن الله عز وجل وصف أهل المعاصي بالإيمان كما وصفهم في بعض النصوص بالكفر.

وهذا يدل يا إخوان على أن الكفر ينقسم إلى قسمين: كفر يخرج من الإسلام، وكفر لا يخرج من الإسلام، فأما الكفر الذي يخرج من الإسلام فهو الشرك، مثل: عبادة غير الله سبحانه وتعالى، أو التولي والإعراض، أو الاستكبار أو نحو ذلك من أنواع الكفر وأصنافه.

وأما الكفر الذي لا يخرج عن الإسلام فهو بعض الذنوب والمعاصي التي وصفها الله بالكفر وهي لا تخرج عن الإسلام، مثل قتال المسلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) وليس المقصود بالكفر في قوله: (وقتاله كفر) الكفر الذي يخرج عن الإسلام، والدليل على هذا قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:٩] فمع أنهم اقتتلوا سماهم الله عز وجل مؤمنين، وكذلك يقول الله عز وجل في آية القصاص: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:١٧٨] قوله: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) وصفه بالأخوة، ولا تنزع الأخوة الإسلامية إلا بالكفر، فإذا كان كافراً فإنه لا يكون أخاً له، وأما قوله تعالى في بعض الأنبياء: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف:٦٥] وغيرها من الآيات التي تشبهها فليس المقصود بأنه أخوهم في الولاية، وإنما المقصود بالأخ هنا: صاحب عاد، يعني: من قومهم ومن جماعتهم ومن أقربائهم.

وأما الدليل على أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار فهو حديث الشفاعة الذي سبق أن أشرنا إليه، فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وجاء في رواية: (من كان في قلبه أدنى من مثقال الذرة من الإيمان)، وجاء في بعضها: (يخرج من النار من كان في قلبه أدنى أدنى مثقال ذرة من الإيمان)، وهذا يدل على أن أهل الذنوب لا يخلدون في النار ما دام أنهم من أهل التوحيد.

وقول الشيخ: [وأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في النار لا يخلدون].

القيد هنا في قوله: (من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) فيه إشكال؛ لأنه قد يفهم منه بعض الناس: أن أهل الكبائر من أصحاب الأمم الأخرى يخلدون في النار، وهذا ليس بصحيح، فإن أصحاب الكبائر عموماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أو من غيرها من الأمم لا يخلدون في النار؛ بدليل العموم في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، وهذا عموم يشمل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويشمل غيرها من الأمم، وقد جاء في بعض نسخ متن العقيدة الطحاوية بحذف (أمة محمد) يعني: جاء بلفظ: (وأهل الكبائر في النار لا يخلدون) بهذا العموم.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [إذا ماتوا وهم موحدون وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر عز وجل في كتابه: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨]].

وهذه الآية آية النساء: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] دليل أيضاً على أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار؛ لأنهم تحت المغفرة وتحت المشيئة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته].

سبق أن تحدثنا عن الشفاعة، وأن المعتزلة لا يقرون بها، لا سيما شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وغيرهم من الملائكة والأنبياء لأهل الكبائر، فإن عندهم قاعدة: أنه إذا دخل أحد النار لا يخرج منها أبداً، وهذه مبنية على قاعدتهم في حكم مرتكب الكبيرة، فإن حكم مرتكب الكبيرة عندهم كافر، ويصبح من أهل النار، وحينئذٍ لا يخرج منها؛ لأنه كافر، ولا يدخل النار إلا الكفار وأهل ال

<<  <  ج: ص:  >  >>