للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم هجر المبتدع]

وبالنسبة لقضية هجر المبتدع سبق أن بينت أن البدعة نوعان: بدعة مكفرة، وبدعة غير مكفرة، والمبتدع الذي بدعته مكفرة يتعامل معه معاملة الكفار، وأما إذا كانت بدعته ليست مكفرة فإنه يكون من المسلمين، فإذا كان من المسلمين فإنه ينطبق عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس) فإن قوله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس) يشمل الطائع ويشمل الفاسق ويشمل المبتدع، لكنه لا يشمل الكافر أو صاحب البدعة المكفرة، وحينئذٍ فيسلم على المبتدع ويرد عليه السلام، ويشمت إذا عطس، ويعاد إذا مرض، وكذلك يصلى على جنازته ما دام أنه مسلم؛ لهذا الدليل الذي سبق أن بيناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (حق المسلم على المسلم خمس) وهو مسلم، لكن إذا كان في هجره خير كرجوعه عن البدعة أو عزوف الناس عنه أو نحو ذلك فيهجر، فإذا كان في هجره خير للدين فإنه يهجر فمثلاً: إذا جاء إلى عالم من العلماء مبتدع أمام الناس ويريد أن يسلم عليه فأعرض عنه، فنظر الناس في هذه الصورة وتعجبوا وقالوا: أكيد أن هذا على ضلالة، وإلا فلن يعرض عنه فلان من العلماء، فيتركون عقيدته وما يقوله من أقوال، هذا العمل يعتبر عملاً جليلاً، وهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شيء فيه، بل إن الإنسان إذا كان مسموع الصوت مثل إنسان داعية أو مسموع الكلام وله تأثير على الناس ووجد مبتدعاً وأخذه بالأحضان وهو يعلم أنه إن فعل ذلك قد يغرر به أشخاص آخرين فنقول: هذا لا يجوز في حقه أن يعمل هذا؛ لأنه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل إنه أغرى هؤلاء الناس باتباع سبيله، وطريقه وسبيله هي البدعة والعياذ بالله! فهذه قاعدة في هذه المسألة.

وأذكر أني استمعت إلى محاضرة لأحد العلماء، وسأله أحد الشباب الذين يرون أن المبتدع بهذا العموم لا يسلم عليه ولا يعاد إذا مرض ولا يصلى على جنازته ولا يصلى وراءه، فقال له هذا الشاب: هل يجوز أن يترحم على فلان من أهل البدع؟ سمى شخصاً، فقال: أنا أريد أن أسألك هل هو مسلم؟ ففكر قليلاً، ثم قال: نعم مسلم، فقال: طيب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حق المسلم على المسلم خمس: - منها - رد السلام).

فانظروا إلى الفقه العجيب عند هذا العالم، وانظروا تمام العلم وتمام الفقه عند هذا الشيخ وهذا الإمام؛ لأن بعض الناس تأخذه الحماسة عندما يقرأ في كتب السلف نصوصاً في (شرح أصول اعتقاد أهل السنة) لللاكائي، ويقرأ نصوصاً في (الشريعة) للآجري ولا يعرف ظروفها، ولا يعرف طبيعتها، ولا متى حصلت وكيف حصلت، ولا يعرف تفسيرها، ويريد أن يقلدها فيخطئ، فيحمل المسلم ما لا يحتمل، ويخالف النصوص الشرعية الصحيحة، وهذه قضية ينبغي أن تفهم على وجهها الصحيح، وألا ينفخ فيها، وألا يبالغ في شيءٍ من ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>